الْأَوَّلَيْنِ، فَابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَشَارَ بِتَأَخُّرِ نُزُولِ سُورَةِ الطَّلَاقِ، إِلَّا أَنَّ آيَةَ الِاعْتِدَادِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ نَاسِخَةٌ لِآيَةِ الْبَقَرَةِ إِنْ كَانَ عُمُومُهَا مُرَادًا، أَوْ مُخَصِّصَةٌ لَهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ عُمُومُهَا مُرَادًا، أَوْ مُبَيِّنَةٌ لِلْمُرَادِ مِنْهَا، أَوْ مُقَيِّدَةٌ لِإِطْلَاقِهَا، وَهَذَا مِنْ كَمَالِ فِقْهِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَرُسُوخِهِ فِي الْعِلْمِ، وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ أُصُولَ الْفِقْهِ سَجِيَّةٌ لِلْقَوْمِ، وَطَبِيعَةٌ لَا يَتَكَلَّفُونَهَا، كَمَا أَنَّ الْعَرَبِيَّةَ وَالْمَعَانِيَ وَالْبَيَانَ وَتَوَابِعَهَا لَهُمْ كَذَلِكَ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ فَإِنَّمَا يُجْهِدُ نَفْسَهُ لِيَتَعَلَّقَ بِغُبَارِهِمْ وَأَنَّى لَهُ؟ !
الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَأْتِ السُّنَّةُ الصَّرِيحَةُ بِاعْتِبَارِ الْحَمْلِ، وَلَمْ تَكُنْ آيَةُ الطَّلَاقِ مُتَأَخِّرَةً، لَكَانَ تَقْدِيمُهَا هُوَ الْوَاجِبَ لِمَا قَرَّرْنَاهُ أَوَّلًا مِنْ جِهَاتِ الْعُمُومِ الثَّلَاثَةِ فِيهَا، وَإِطْلَاقِ قَوْلِهِ {يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: ٢٣٤] ، وَقَدْ كَانَتِ الْحَوَالَةُ عَلَى هَذَا الْفَهْمِ مُمْكِنَةً، وَلَكِنْ لِغُمُوضِهِ وَدِقَّتِهِ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، أُحِيلَ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ عَلَى بَيَانِ السُّنَّةِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
[لا تنقضي العدة حتى تضع جميع الحمل]
وَدَلَّ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤] [الطَّلَاقِ: ٤] عَلَى أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ حَامِلًا بِتَوْأَمَيْنِ لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ حَتَّى تَضَعَهُمَا جَمِيعًا، وَدَلَّتْ عَلَى أَنَّ مَنْ عَلَيْهَا الِاسْتِبْرَاءُ، فَعِدَّتُهَا وَضْعُ الْحَمْلِ أَيْضًا، وَدَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِوَضْعِهِ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا، تَامَّ الْخِلْقَةِ أَوْ نَاقِصَهَا، نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ أَوْ لَمْ يُنْفَخْ.
وَدَلَّ قَوْلُهُ: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: ٢٣٤] [الْبَقَرَةِ: ٢٣٤] عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تَحِضْ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ مالك: إِذَا كَانَ عَادَتُهَا أَنْ تَحِيضَ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً، فَتُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَتَهَا، فَتَبْرَأَ مِنْ عِدَّتِهَا. فَإِنْ لَمْ تَحِضِ، انْتَظَرَتْ تَمَامَ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ وَفَاتِهِ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ: كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ، أَنَّهُ تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلَا تَنْتَظِرُ حَيْضَهَا.
[فصل مَنْ قَالَ إِنَّ الْأَقْرَاءَ هِيَ الْحِيَضُ]
فَصْلٌ وَمِنْ ذَلِكَ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْأَقْرَاءِ، هَلْ هِيَ الْحِيَضُ أَوِ الْأَطْهَارُ؟ فَقَالَ أَكَابِرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute