وَبَقِيَ حُكْمُ الطَّلَاقِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ هَذَا لَفْظُهُ.
قَالُوا: وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ إِنَّمَا يَقَعُ بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ، وَلَيْسَ الْإِيلَاءُ وَاحِدًا مِنْهُمَا، إِذْ لَوْ كَانَ صَرِيحًا لَوَقَعَ مُعَجَّلًا إِنْ أَطْلَقَهُ، أَوْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنْ قَيَّدَهُ، وَلَوْ كَانَ كِنَايَةً لَرَجَعَ فِيهِ إِلَى نِيَّتِهِ، وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا اللِّعَانُ، فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْفَسْخَ دُونَ الطَّلَاقِ، وَالْفَسْخُ يَقَعُ بِغَيْرِ قَوْلٍ، وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ إِلَّا بِالْقَوْلِ.
قَالُوا: وَأَمَّا قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَغَايَتُهَا أَنْ تَدُلَّ عَلَى جَوَازِ الْفَيْئَةِ فِي مُدَّةِ التَّرَبُّصِ، لَا عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْمُطَالَبَةِ بِهَا فِي الْمُدَّةِ، وَهَذَا حَقٌّ لَا نُنْكِرُهُ.
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: جَوَازُ الْفَيْئَةِ فِي الْمُدَّةِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْقَاقِهَا فِيهَا، فَهُوَ بَاطِلٌ بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ.
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّهُ لَوْ كَانَتِ الْفَيْئَةُ بَعْدَ الْمُدَّةِ لَزَادَتْ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَلَيْسَ بِصَحِيحِ؛ لَأَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَشْهُرِ مُدَّةٌ لِزَمَنِ الصَّبْرِ الَّذِي لَا يَسْتَحِقُّ فِيهِ الْمُطَالَبَةَ، فَبِمُجَرَّدِ انْقِضَائِهَا يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ الْحَقُّ، فَلَهَا أَنْ تُعَجِّلَ الْمُطَالَبَةَ بِهِ. وَإِمَّا أَنْ تُنْظِرَهُ، وَهَذَا كَسَائِرِ الْحُقُوقِ الْمُعَلَّقَةِ بِآجَالٍ مَعْدُودَةٍ، إِنَّمَا تُسْتَحَقُّ عِنْدَ انْقِضَاءِ آجَالِهَا، وَلَا يُقَالُ: إِنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الزِّيَادَةَ عَلَى الْأَجَلِ، فَكَذَا أَجَلُ الْإِيلَاءِ سَوَاءٌ.
[فَصْلٌ الْحُجَّةُ فِي أَنَّ الْمُؤْلِيَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعَوْدِ]
وَدَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ صَحَّ مِنْهُ الْإِيلَاءُ بِأَيِّ يَمِينٍ حَلَفَ، فَهُوَ مُؤْلٍ حَتَّى يَبَرَّ، إِمَّا أَنْ يَفِيءَ، وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ، فَكَانَ فِي هَذَا حُجَّةٌ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَنْ يَقُولُ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ: إِنَّ الْمُؤْلِيَ بِالْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ إِمَّا أَنْ يَفِيءَ، وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ، وَمَنْ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَمْ يُمْكِنْهُ إِدْخَالُ هَذِهِ الْيَمِينِ فِي حُكْمِ الْإِيلَاءِ، فَإِنَّهُ إِذَا قَالَ: إِنْ وَطِئْتُكِ إِلَى سَنَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، فَإِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ لَا يَقُولُونَ لَهُ إِمَّا أَنْ تَطَأَ وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَ، بَلْ يَقُولُونَ لَهُ إِنْ وَطِئْتَهَا طَلَقَتْ، وَإِنْ لَمْ تَطَأْهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute