طَلَّقْنَا عَلَيْكَ، وَأَكْثَرُهُمْ لَا يُمَكِّنُهُ مِنَ الْإِيلَاجِ لِوُقُوعِ النَّزْعِ الَّذِي هُوَ جُزْءُ الْوَطْءِ فِي أَجْنَبِيَّةٍ، وَلَا جَوَابَ عَنْ هَذَا إِلَّا أَنْ يُقَالَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُؤْلٍ، وَحِينَئِذٍ فَيُقَالُ: فَلَا تُوقِفُوهُ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ، وَقُولُوا: إِنَّ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ وَطْئِهَا بِيَمِينِ الطَّلَاقِ دَائِمًا، فَإِنْ ضَرَبْتُمْ لَهُ الْأَجَلَ أَثْبَتُّمْ لَهُ حُكْمَ الْإِيلَاءِ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ، وَإِنْ جَعَلْتُمُوهُ مُؤْلِيًا وَلَمْ تُجِيزُوهُ خَالَفْتُمْ حُكْمَ الْإِيلَاءِ وَمُوجَبَ النَّصِّ، فَهَذَا بَعْضُ حُجَجِ هَؤُلَاءِ عَلَى مُنَازِعِيهِمْ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا حُكْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهِيَ إِذَا قَالَ: إِنْ وَطِئْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا.
قِيلَ: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهَا، هَلْ يَكُونُ مُؤْلِيًا أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أحمد، وَقَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ، أَنَّهُ يَكُونُ مُؤْلِيًا، وَهُوَ مَذْهَبُ أبي حنيفة ومالك. وَعَلَى قَوْلَيْنِ: فَهَلْ يُمَكَّنُ مِنَ الْإِيلَاجِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِ أحمد وَالشَّافِعِيِّ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْهُ، بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا بِالْإِيلَاجِ تَطْلُقُ عِنْدَهُمْ ثَلَاثًا، فَيَصِيرُ مَا بَعْدُ الْإِيلَاجِ مُحَرَّمًا، فَيَكُونُ الْإِيلَاجُ مُحَرَّمًا، وَهَذَا كَالصَّائِمِ إِذَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، إِلَّا قَدْرُ إِيلَاجٍ لِذَكَرِ دُونَ إِخْرَاجِهِ، حَرُمَ عَلَيْهِ الْإِيلَاجُ، وَإِنْ كَانَ فِي زَمَنِ الْإِبَاحَةِ لِوُجُودِ الْإِخْرَاجِ فِي زَمَنِ الْحَظْرِ كَذَلِكَ هَاهُنَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْإِيلَاجُ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الطَّلَاقِ لِوُجُودِ الْإِخْرَاجِ بَعْدَهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْإِيلَاجُ، قَالَ الماوردي: وَهُوَ قَوْلُ سَائِرِ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ، وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْإِخْرَاجُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ. وَإِنْ طَلَقَتْ بِالْإِيلَاجِ وَيَكُونُ الْمُحَرَّمُ بِهَذَا الْوَطْءِ اسْتِدَامَةُ الْإِيلَاجِ لَا الِابْتِدَاءُ وَالنَّزْعُ، وَهَذَا ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ عَلَى الصَّائِمِ وَهُوَ مُجَامِعٌ وَأَخْرَجَهُ مَكَانَهُ كَانَ عَلَى صَوْمِهِ، فَإِنْ مَكَثَ بِغَيْرِ إِخْرَاجِهِ أَفْطَرَ وَيُكَفِّرُ. وَقَالَ فِي كِتَابِ الْإِيلَاءِ وَلَوْ قَالَ إِنْ وَطِئْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وُقِفَ، فَإِنْ فَاءَ، فَإِذَا غَيَّبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute