لِلْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَالْقَوْلَ نَاقِلٌ عَنْهَا، فَيَكُونُ رَافِعًا لِحُكْمِ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَاعِدَةِ الْأَحْكَامِ، وَلَوْ قُدِّمَ الْفِعْلُ، لَكَانَ رَافِعًا لِمُوجِبِ الْقَوْلِ، وَالْقَوْلُ رَافِعٌ لِمُوجِبِ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، فَيَلْزَمُ تَغْيِيرُ الْحُكْمِ مَرَّتَيْنِ، وَهُوَ خِلَافُ قَاعِدَةِ الْأَحْكَامِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[فصل في اخْتِلَافُ عَلِيٍّ وَزَيْدٍ وَجَعْفَرٍ فِي حَضَانَةِ بِنْتِ حَمْزَةَ]
فَصْلٌ
«وَلَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ، تَبِعَتْهمُ ابنة حمزة تُنَادِي: يَا عَمُّ، يَا عَمُّ، فَتَنَاوَلَهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَخَذَ بِيَدِهَا، وَقَالَ لفاطمة: دُونَكِ ابْنَةَ عَمِّكِ، فَحَمَلَتْهَا فَاخْتَصَمَ فِيهَا علي وزيد وجعفر، فَقَالَ علي: أَنَا أَخَذْتُهَا، وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّي، وَقَالَ جعفر: ابْنَةُ عَمِّي، وَخَالَتُهَا تَحْتِي، وَقَالَ زيد: ابْنَةُ أَخِي، فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِخَالَتِهَا: وَقَالَ: "الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ "، وَقَالَ لعلي: "أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ "، وَقَالَ لجعفر: "أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي "، وَقَالَ لزيد: "أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلَانَا» ، مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ.
وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ منَ الْفِقْهِ: أَنَّ الْخَالَةَ مُقَدَّمَةٌ فِي الْحَضَانَةِ عَلَى سَائِرِ الْأَقَارِبِ بَعْدَ الْأَبَوَيْنِ.
وَأَنَّ تَزَوُّجَ الْحَاضِنَةِ بِقَرِيبٍ منَ الطِّفْلِ لَا يُسْقِطُ حَضَانَتَهَا. نَصَّ أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ عَلَى أَنَّ تَزْوِيجَهَا لَا يُسْقِطُ حَضَانَتَهَا فِي الْجَارِيَةِ خَاصَّةً، وَاحْتَجَّ بِقِصَّةِ بنت حمزة هَذِهِ، وَلَمَّا كَانَ ابْنُ الْعَمِّ لَيْسَ مَحْرَمًا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ: تَزَوُّجُ الْحَاضِنَةِ لَا يُسْقِطُ حَضَانَتَهَا لِلْجَارِيَةِ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: لَا يَكُونُ تَزَوُّجُهَا مُسْقِطًا لِحَضَانَتِهَا بِحَالٍ ذَكَرًا كَانَ الْوَلَدُ أَوْ أُنْثَى.
وَقدِ اخْتُلِفَ فِي سُقُوطِ الْحَضَانَةِ بِالنِّكَاحِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute