أُخْرَيَانِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ مُطْلَقًا، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ومالك، وَالْأُخْرَى: عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ مُطْلَقًا، وَظَاهِرُ نُصُوصِهِ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّكِّ، وَبَيْنَ الظَّنِّ الْغَالِبِ الْقَوِيِّ، فَمَعَ الشَّكِّ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ وَمَعَ أَكْثَرِ الْوَهْمِ أَوِ الظَّنِّ الْغَالِبِ يَتَحَرَّى، وَعَلَى هَذَا مَدَارُ أَجْوِبَتِهِ. وَعَلَى الْحَالَيْنِ حَمْلُ الْحَدِيثَيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ أبو حنيفة رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الشَّكِّ: إِذَا كَانَ أَوَّلَ مَا عَرَضَ لَهُ، اسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ فَإِنْ عَرَضَ لَهُ كَثِيرًا، فَإِنْ كَانَ لَهُ ظَنٌّ غَالِبٌ، بَنَى عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ظَنٌّ، بَنَى عَلَى الْيَقِينِ.
[فصل في كراهة تغميض العينين في الصلاة]
فَصْلٌ
وَلَمْ يَكُنْ مِنْ هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ كَانَ فِي التَّشَهُّدِ يُومِئُ بِبَصَرِهِ إِلَى أُصْبُعِهِ فِي الدُّعَاءِ، وَلَا يُجَاوِزُ بَصَرُهُ إِشَارَتَهُ.
وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «كَانَ قِرَامٌ لعائشة، سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَمِيطِي عَنِّي قِرَامَكِ هَذَا، فَإِنَّهُ لَا تَزَالَ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ لِي فِي صَلَاتِي» ) وَلَوْ كَانَ يُغْمِضُ عَيْنَيْهِ فِي صَلَاتِهِ، لَمَا عَرَضَتْ لَهُ فِي صَلَاتِهِ.
وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الَّذِي كَانَ يَعْرِضُ لَهُ فِي صَلَاتِهِ: هَلْ تَذَكُّرُ تِلْكَ التَّصَاوِيرَ بَعْدَ رُؤْيَتِهَا، أَوْ نَفْسُ رُؤْيَتِهَا؟ هَذَا مُحْتَمَلٌ، وَهَذَا مُحْتَمَلٌ، وَأَبْيَنُ دَلَالَةً مِنْهُ حَدِيثُ عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلَامٌ فَنَظَرَ، إِلَى أَعْلَامِهَا نَظْرَةً فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: اذْهَبُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute