عَظُمَ حَقُّهُ حَرُمَ نِسَاؤُهُ بَعْدَهُ وَبِهَذَا اخْتُصَّ الرَّسُولُ؛ لِأَنَّ أَزْوَاجَهُ فِي الدُّنْيَا هُنَّ أَزْوَاجُهُ فِي الْآخِرَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ حَرُمَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ زَوْجِهَا تَضَرَّرَتِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، وَرُبَّمَا كَانَ الثَّانِي خَيْرًا لَهَا مِنَ الْأَوَّلِ، وَلَكِنْ لَوْ تَأَيَّمَتْ عَلَى أَوْلَادِ الْأَوَّلِ لَكَانَتْ مَحْمُودَةً عَلَى ذَلِكَ مُسْتَحَبًّا لَهَا
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنَا وَامْرَأَةٌ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ كَهَاتَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوْمَأَ بِالْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ، امْرَأَةٌ آمَتْ مِنْ زَوْجِهَا ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ وَحَبَسَتْ نَفْسَهَا عَلَى يَتَامَى لَهَا حَتَّى بَانُوا، أَوْ مَاتُوا» .
وَإِذَا كَانَ الْمُقْتَضِي لِتَحْرِيمِهَا قَائِمًا فَلَا أَقَلَّ مِنْ مُدَّةٍ تَتَرَبَّصُهَا، وَقَدْ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَتَرَبَّصُ سَنَةً فَخَفَّفَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَقِيلَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: مَا بَالُ الْعَشْرِ؟ قَالَ فِيهَا يُنْفَخُ الرُّوحُ فَيَحْصُلُ بِهَذِهِ الْمُدَّةِ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ حَيْثُ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَقَضَاءُ حَقِّ الزَّوْجِ إِذَا لَمْ يُحْتَجْ إِلَى ذَلِكَ.
[فصل حِكْمَةُ عِدَّةِ الطَّلَاقِ]
فَصْلٌ
وَأَمَّا عِدَّةُ الطَّلَاقِ فَهِيَ الَّتِي أَشْكَلَتْ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَعْلِيلُهَا بِذَلِكَ لِأَنَّهَا إِنَّمَا تَجِبُ بَعْدَ الْمَسِيسِ، وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ قَطْعٌ لِلنِّكَاحِ، وَلِهَذَا يَتَنَصَّفُ فِيهِ الْمُسَمَّى وَيَسْقُطُ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ.
فَيُقَالُ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ - عِدَّةُ الطَّلَاقِ وَجَبَتْ لِيَتَمَكَّنَ الزَّوْجُ فِيهَا مِنَ الرَّجْعَةِ، فَفِيهَا حَقٌّ لِلزَّوْجِ وَحَقٌّ لِلَّهِ وَحَقٌّ لِلْوَلَدِ وَحَقٌّ لِلنَّاكِحِ الثَّانِي. فَحَقُّ الزَّوْجِ لِيَتَمَكَّنَ مِنَ الرَّجْعَةِ فِي الْعِدَّةِ، وَحَقُّ اللَّهِ لِوُجُوبِ مُلَازَمَتِهَا الْمَنْزِلَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ، وَهُوَ مَنْصُوصُ أحمد وَمَذْهَبُ أبي حنيفة. وَحَقُّ الْوَلَدِ لِئَلَّا يَضِيعَ نَسَبُهُ، وَلَا يُدْرَى لِأَيِّ الْوَاطِئَيْنِ. وَحَقُّ الْمَرْأَةِ لِمَا لَهَا مِنَ النَّفَقَةِ زَمَنَ الْعِدَّةِ لِكَوْنِهَا زَوْجَةً تَرِثُ وَتُورَثُ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ حَقٌّ لِلزَّوْجِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ} [الأحزاب: ٤٩]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute