لَا يَسْقُطُ الْحَقُّ لِثُبُوتِهِ فِي ذِمَّةِ الرَّاهِنِ وَالْمَضْمُونِ عَنْهُ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِتَلَفِ الْوَثِيقَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وأحمد: تَتَعَيَّنُ الدِّيَةُ فِي تَرِكَتِهِ، لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ مِنْ غَيْرِ إِسْقَاطٍ، فَوَجَبَ الدِّيَةُ لِئَلَّا يَذْهَبَ الْوَرَثَةُ مِنَ الدَّمِ وَالدِّيَةِ مَجَّانًا. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُونَ لَوِ اخْتَارَ الْقِصَاصَ، ثُمَّ اخْتَارَ بَعْدَهُ الْعَفْوَ إِلَى الدِّيَةِ هَلْ لَهُ ذَلِكَ؟ قُلْنَا: هَذَا فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ أَعْلَى، فَكَانَ لَهُ الِانْتِقَالُ إِلَى الْأَدْنَى. وَالثَّانِي: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اخْتَارَ الْقِصَاصَ فَقَدْ أَسْقَطَ الدِّيَةَ بِاخْتِيَارِهِ لَهُ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعُودَ إِلَيْهَا بَعْدَ إِسْقَاطِهَا.
فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ تَجْمَعُونَ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «مَنْ قَتَلَ عَمْدًا، فَهُوَ قَوَدٌ» ) .
قِيلَ: لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ، فَإِنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْقَوَدِ بِقَتْلِ الْعَمْدِ، وَقَوْلُهُ: " فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ "، يَدُلُّ عَلَى تَخْيِيرِهِ بَيْنَ اسْتِيفَاءِ هَذَا الْوَاجِبِ لَهُ، وَبَيْنَ أَخْذِ بَدَلِهِ وَهُوَ الدِّيَةُ، فَأَيُّ تَعَارُضٍ؟ وَهَذَا الْحَدِيثُ نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} [البقرة: ١٧٨] [الْبَقَرَةِ: ١٧٨] ، وَهَذَا لَا يَنْفِي تَخْيِيرَ الْمُسْتَحِقِّ لَهُ بَيْنَ مَا كُتِبَ لَهُ، وَبَيْنَ بَدَلِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ في إِبَاحَةُ قَطْعِ الْإِذْخِرِ]
فَصْلٌ
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخُطْبَةِ " إِلَّا الْإِذْخِرَ "، بَعْدَ قَوْلِ العباس لَهُ: إِلَّا الْإِذْخِرَ. يَدُلُّ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا: إِبَاحَةُ قَطْعِ الْإِذْخِرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute