أَمْرَيْنِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مُعَارِضٌ فَصَدْرُهُ هُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ: ( «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ» ) وَقَدْ عَارَضَهُ حَدِيثُ أسماء، وَعَجُزُهُ: ثُمَّ سَأَلُوهُ عَنِ الْعَزْلِ، فَقَالَ: ( «ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ» ) وَقَدْ عَارَضَهُ حَدِيثُ أبي سعيد: ( «كَذَبَتْ يَهُودُ» ) ، وَقَدْ يُقَالُ إِنَّ قَوْلَهُ: ( «لَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ سِرًّا» ) نَهْيٌ أَنْ يَتَسَبَّبَ إِلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ شَبَّهَ الْغَيْلَ بِقَتْلِ الْوَلَدِ، وَلَيْسَ بِقَتْلٍ حَقِيقَةً، وَإِلَّا كَانَ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَكَانَ قَرِينَ الْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ.
وَلَا رَيْبَ أَنَّ وَطْءَ الْمَرَاضِعِ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، وَيَتَعَذُّرُ عَلَى الرَّجُلِ الصَّبْرُ عَنِ امْرَأَتِهِ مُدَّةَ الرَّضَاعِ، وَلَوْ كَانَ وَطْؤُهُنَّ حَرَامًا لَكَانَ مَعْلُومًا مِنَ الدِّينِ، وَكَانَ بَيَانُهُ مِنْ أَهَمِّ الْأُمُورِ، وَلَمْ تُهْمِلْهُ الْأُمَّةُ وَخَيْرُ الْقُرُونِ، وَلَا يُصَرِّحُ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِتَحْرِيمِهِ، فَعُلِمَ أَنَّ حَدِيثَ أسماء عَلَى وَجْهِ الْإِرْشَادِ وَالِاحْتِيَاطِ لِلْوَلَدِ، وَأَنْ لَا يُعَرِّضَهُ لِفَسَادِ اللَّبَنِ بِالْحَمْلِ الطَّارِئِ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا كَانَ عَادَةُ الْعَرَبِ أَنْ يَسْتَرْضِعُوا لِأَوْلَادِهِمْ غَيْرَ أُمَّهَاتِهِمْ، وَالْمَنْعُ مِنْهُ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ سَدِّ الذَّرَائِعِ الَّتِي قَدْ تُفْضِي إِلَى الْإِضْرَارِ بِالْوَلَدِ، وَقَاعِدَةُ بَابِ سَدِّ الذَّرَائِعِ إِذَا عَارَضَهُ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ قُدِّمَتْ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مِرَارًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ فِي حُكْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَسْمِ الِابْتِدَاءِ وَالدَّوَامِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ]
ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ ": عَنْ أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «مِنَ السُّنَّةِ إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ، أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا وَقَسَمَ، وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ، أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَسَمَ» . قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: وَلَوْ شِئْتُ لَقُلْتُ إِنَّ أنسا رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو قِلَابَةَ، قَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ عَنْ أنس، كَمَا رَوَاهُ البزار فِي " مُسْنَدِهِ " مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أبي قلابة عَنْ أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute