الْوَاقِعِ، وَهَذَا كَمَا لَوْ حُكِمَ بِأَيْمَانِ الْقَسَامَةِ، ثُمَّ أَظْهَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ آيَةً تَدُلُّ عَلَى كَذِبِ الْحَالِفِينَ لَمْ يَنْتَقِضْ حُكْمُهَا بِذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ حُكِمَ بِالْبَرَاءَةِ مِنَ الدَّعْوَى بِيَمِينٍ، ثُمَّ أَظْهَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ آيَةً تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا يَمِينٌ فَاجِرَةٌ لَمْ يَبْطُلِ الْحُكْمُ بِذَلِكَ.
[فصل هَلْ يُحَدُّ إِذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ بالزِّنَى بِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ]
فَصْلٌ
وَمِنْهَا: أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ بالزِّنَى بِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ لَاعَنَهَا سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ لَهُمَا، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِ الرَّجُلِ فِي لِعَانِهِ، وَإِنْ لَمْ يُلَاعِنْ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدُّهُ، وَهَذَا مَوْضِعٌ اخْتُلِفَ فِيهِ، فَقَالَ أبو حنيفة ومالك: يُلَاعِنُ لِلزَّوْجَةِ وَيُحَدُّ لِلْأَجْنَبِيِّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: يَجِبُ عَلَيْهِ حَدٌّ وَاحِدٌ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ لَهُمَا بِلِعَانِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أحمد، وَالْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ يُحَدُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَدًّا، فَإِنْ ذَكَرَ الْمَقْذُوفَ فِي لِعَانِهِ سَقَطَ الْحَدُّ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فَعَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَسْتَأْنِفُ اللِّعَانَ وَيَذْكُرُهُ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ حُدَّ لَهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَسْقُطُ حَدُّهُ بِلِعَانِهِ، كَمَا يَسْقُطُ حَدُّ الزَّوْجَةِ.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ أحمد: الْقَذْفُ لِلزَّوْجَةِ وَحْدَهَا، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهَا حَقُّ الْمُطَالَبَةِ وَلَا الْحَدُّ.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: يَجِبُ الْحَدُّ لَهُمَا.
وَهَلْ يَجِبُ حَدٌّ وَاحِدٌ أَوْ حَدَّانِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: لَا يَجِبُ إِلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ قَوْلًا وَاحِدًا، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ إِذَا لَاعَنَ وَذَكَرَ الْأَجْنَبِيَّ فِي لِعَانِهِ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ حُكْمُهُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فَعَلَى قَوْلَيْنِ؛ الصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ.
وَالَّذِينَ أَسْقَطُوا حُكْمَ قَذْفِ الْأَجْنَبِيِّ بِاللِّعَانِ حُجَّتُهُمْ ظَاهِرَةٌ وَقَوِيَّةٌ جِدًّا، فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحُدَّ الزَّوْجَ بشريك ابن سحماء، وَقَدْ سَمَّاهُ صَرِيحًا، وَأَجَابَ الْآخَرُونَ عَنْ هَذَا بِجَوَابَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَقْذُوفَ كَانَ يَهُودِيًّا وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ بِقَذْفِ الْكَافِرِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمْ يُطَالِبْ بِهِ، وَحَدُّ الْقَذْفِ إِنَّمَا يُقَامُ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ.
وَأَجَابَ الْآخَرُونَ عَنْ هَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ وَقَالُوا: قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ يَهُودِيٌّ بَاطِلٌ، فَإِنَّهُ شريك بن عبدة، وَأُمُّهُ سحماء، وَهُوَ حَلِيفُ الْأَنْصَارِ، وَهُوَ أَخُو