للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ فِي سِيَاقِ هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّتِهِ]

فَصْلٌ

فِي سِيَاقِ هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّتِهِ

لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَمْ يَحُجَّ بَعْدَ هِجْرَتِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ سِوَى حَجَّةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهَا كَانَتْ سَنَةَ عَشْرٍ.

وَاخْتُلِفَ: هَلْ حَجَّ قَبْلَ الْهِجْرَةِ؟ فَرَوَى الترمذي، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ( «حَجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ حِجَجٍ: حَجَّتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ، وَحَجَّةً بَعْدَمَا هَاجَرَ مَعَهَا عُمْرَةٌ» ) . قَالَ الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ سفيان. قَالَ وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا - يَعْنِي الْبُخَارِيَّ - عَنْ هَذَا، فَلَمْ يَعْرِفْهُ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُعَدُّ هَذَا الْحَدِيثُ مَحْفُوظًا.

وَلَمَّا نَزَلَ فَرْضُ الْحَجِّ، بَادَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحَجِّ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ، فَإِنَّ فَرْضَ الْحَجِّ تَأَخَّرَ إِلَى سَنَةِ تِسْعٍ أَوْ عَشْرٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦] [الْبَقَرَةِ: ١٩٦] ، فَإِنَّهَا وَإِنْ نَزَلَتْ سَنَةَ سِتٍّ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَلَيْسَ فِيهَا فَرْضِيَّةُ الْحَجِّ وَإِنَّمَا فِيهَا الْأَمْرُ بِإِتْمَامِهِ وَإِتْمَامِ الْعُمْرَةِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِمَا، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الِابْتِدَاءِ فَإِنْ قِيلَ: فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ تَأْخِيرُ نُزُولِ فَرْضِهِ إِلَى التَّاسِعَةِ أَوِ الْعَاشِرَةِ؟ قِيلَ: لِأَنَّ صَدْرَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ نَزَلَ عَامَ الْوُفُودِ، وَفِيهِ قَدِمَ وَفْدُ نَجْرَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَالَحَهُمْ عَلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ، وَالْجِزْيَةُ إِنَّمَا نَزَلَتْ عَامَ تَبُوكَ سَنَةَ تِسْعٍ وَفِيهَا نَزَلَ صَدْرُ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، وَنَاظَرَ أَهْلَ الْكِتَابِ وَدَعَاهُمْ إِلَى التَّوْحِيدِ وَالْمُبَاهَلَةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ وَجَدُوا فِي نُفُوسِهِمْ عَلَى مَا فَاتَهُمْ مِنَ التِّجَارَةِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: ٢٨] [التَّوْبَةِ: ٢٨] ، فَأَعَاضَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ بِالْجِزْيَةِ. وَنُزُولُ هَذِهِ الْآيَاتِ، وَالْمُنَادَاةُ بِهَا، إِنَّمَا كَانَ فِي سَنَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>