أَهْدَرَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَإِثْبَاتُ عِوَضٍ حَكَمَ الشَّارِعُ بِخُبْثِهِ، وَجَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَأَجْرِ الْكَاهِنِ، وَإِنْ كَانَ عِوَضًا خَبِيثًا شَرْعًا، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْضِيَ بِهِ.
وَلَا يُقَالُ: فَأَجْرُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ، وَيُقْضَى لَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْحِجَامَةِ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ، وَتَجُوزُ، بَلْ يَجِبُ عَلَى مُسْتَأْجِرِهِ أَنْ يُوَفِّيَهُ أَجْرَهُ، فَأَيْنَ هَذَا مِنَ الْمَنْفَعَةِ الْخَبِيثَةِ الْمُحَرَّمَةِ الَّتِي عِوَضُهَا مِنْ جِنْسِهَا، وَحُكْمُهُ حُكْمُهَا، وَإِيجَابُ عِوَضٍ فِي مُقَابَلَةِ هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ، كَإِيجَابِ عِوَضٍ فِي مُقَابَلَةِ اللِّوَاطِ، إِذِ الشَّارِعُ لَمْ يَجْعَلْ فِي مُقَابَلَةِ هَذَا الْفِعْلِ عِوَضًا.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ جَعَلَ فِي مُقَابَلَةِ الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ عِوَضًا، وَهُوَ الْمَهْرُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ اللِّوَاطَةِ.
قُلْنَا: إِنَّمَا جَعَلَ فِي مُقَابَلَتِهِ عِوَضًا، إِذَا اسْتُوفِيَ بِعَقْدٍ أَوْ بِشُبْهَةِ عَقْدٍ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَضًا إِذَا اسْتُوفِيَ بِزِنًى مَحْضٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَلَمْ يُعْرَفْ فِي الْإِسْلَامِ قَطُّ أَنَّ زَانِيًا قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْمَهْرِ لِلْمَزْنِيِّ بِهَا، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَرَوْنَ هَذَا قَبِيحًا، فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - قَبِيحٌ.
[فصل مَا تَفْعَلُ الزَّانِيَةُ بِكَسْبِهَا إِذَا قَبَضَتْهُ ثُمَّ تَابَتْ]
فَصْلٌ
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُونَ فِي كَسْبِ الزَّانِيَةِ إِذَا قَبَضَتْهُ، ثُمَّ تَابَتْ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا رَدُّ مَا قَبَضَتْهُ إِلَى أَرْبَابِهِ، أَمْ يَطِيبُ لَهَا، أَمْ تَصَّدَّقُ بِهِ؟
قِيلَ هَذَا يَنْبَنِي عَلَى قَاعِدَةٍ عَظِيمَةٍ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ أَنَّ مَنْ قَبَضَ مَا لَيْسَ لَهُ قَبْضُهُ شَرْعًا، ثُمَّ أَرَادَ التَّخَلُّصَ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ الْمَقْبُوضُ قَدْ أُخِذَ بِغَيْرِ رِضَى صَاحِبِهِ، وَلَا اسْتَوْفَى عِوَضَهُ رَدَّهُ عَلَيْهِ. فَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ عَلَيْهِ، قَضَى بِهِ دَيْنًا يَعْلَمُهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ، رَدَّهُ إِلَى وَرَثَتِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ، تَصَدَّقَ بِهِ عَنْهُ، فَإِنِ اخْتَارَ صَاحِبُ الْحَقِّ ثَوَابَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَانَ لَهُ. وَإِنْ أَبَى إِلَّا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ حَسَنَاتِ الْقَابِضِ، اسْتَوْفَى مِنْهُ نَظِيرَ مَالِهِ، وَكَانَ ثَوَابُ الصَّدَقَةِ لِلْمُتَصَدِّقِ بِهَا، كَمَا ثَبَتَ عَنِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute