للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَصِيرُ إِلَيْهِ، سَلَّمْنَا أَنَّهُ فِيهِ مَا يَنْفِي الْبُلُوغَ، فَمِنْ أَيْنَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي التَّقْيِيدَ بِسَبْعٍ كَمَا قُلْتُمْ؟

[رَدُّ الْمُثْبِتِينَ لِلتَّخْيِيرِ عَلَى مُبْطِلِيهِ]

قَالَتِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَمَنْ قَالَ بِالتَّخْيِيرِ: لَا يَتَأَتَّى لَكُمُ الِاحْتِجَاجُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» ) بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، فَإِنَّ مِنْكُمْ مَنْ يَقُولُ: إِذَا اسْتَغْنَى بِنَفْسِهِ، وَأَكَلَ بِنَفْسِهِ، وَشَرِبَ بِنَفْسِهِ، فَالْأَبُ أَحَقُّ بِهِ بِغَيْرِ تَخْيِيرٍ، وَمِنْكُمْ مَنْ يَقُولُ: إِذَا اثَّغَرَ فَالْأَبُ أَحَقُّ بِهِ.

فَنَقُولُ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَكَمَ لَهَا بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحْ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ تَنْكِحَ قَبْلَ بُلُوغِ الصَّبِيِّ السِّنَّ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَهُ أَوْ بَعْدَهُ، وَحِينَئِذٍ فَالْجَوَابُ يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، وَنَحْنُ فِيهِ عَلَى سَوَاءٍ، فَمَا أَجَبْتُمْ بِهِ أَجَابَ بِهِ مُنَازِعُوكُمْ سَوَاءٌ، فَإِنْ أَضْمَرْتُمْ أَضْمَرُوا، وَإِنْ قَيَّدْتُمْ قَيَّدُوا، وَإِنْ خَصَّصْتُمْ خَصَّصُوا. وَإِذَا تَبَيَّنَ هَذَا فَنَقُولُ: الْحَدِيثُ اقْتَضَى أَمْرَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا لَا حَقَّ لَهَا فِي الْوَلَدِ بَعْدَ النِّكَاحِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهَا أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحْ، وَكَوْنُهَا أَحَقَّ بِهِ لَهُ حَالَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ صَغِيرًا لَمْ يُمَيِّزْ، فَهِيَ أَحَقُّ بِهِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ. الثَّانِي: أَنْ يَبْلُغَ سِنَّ التَّمْيِيزِ، فَهِيَ أَحَقُّ بِهِ أَيْضًا، وَلَكِنَّ هَذِهِ الْأَوْلَوِيَّةَ مَشْرُوطَةٌ بِشَرْطٍ، وَالْحُكْمُ إِذَا عُلِّقَ بِشَرْطٍ صَدَقَ إِطْلَاقُهُ اعْتِمَادًا عَلَى تَقْدِيرِ الشَّرْطِ، وَحِينَئِذٍ فَهِيَ أَحَقُّ بِهِ بِشَرْطِ اخْتِيَارِهِ لَهَا، وَغَايَةُ هَذَا أَنَّهُ تَقْيِيدٌ لِلْمُطْلَقِ بِالْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى تَخْيِيرِهِ. وَلَوْ حُمِلَ عَلَى إِطْلَاقِهِ - وَلَيْسَ بِمُمْكِنٍ الْبَتَّةَ - لَاسْتَلْزَمَ ذَلِكَ إِبْطَالَ أَحَادِيثِ التَّخْيِيرِ، وَأَيْضًا فَإِذَا كُنْتُمْ قَيَّدْتُمُوهُ بِأَنَّهَا أَحَقُّ بِهِ إِذَا كَانَتْ مُقِيمَةً وَكَانَتْ حُرَّةً وَرَشِيدَةً وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْقُيُودِ الَّتِي لَا ذِكْرَ لِشَيْءٍ مِنْهَا فِي الْأَحَادِيثِ الْبَتَّةَ - فَتَقْيِيدُهُ بِالِاخْتِيَارِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ أَوْلَى.

[الرَّدُّ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ التَّخْيِيرَ يَحْصُلُ بَعْدَ الْبُلُوغِ]

وَأَمَّا حَمْلُكُمْ أَحَادِيثَ التَّخْيِيرِ عَلَى مَا بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلَا يَصِحُّ؛ لِخَمْسَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبَوَيْهِ، وَحَقِيقَةُ الْغُلَامِ مَنْ لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>