للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ وَهُوَ أَنَّ الشَّرْطَ الْبَاطِلَ إِذَا شُرِطَ فِي الْعَقْدِ لَمْ يَجُزِ الْوَفَاءُ بِهِ، وَلَوْلَا الْإِذْنُ فِي الِاشْتِرَاطِ لَمَا عُلِمَ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْحَدِيثَ تَضَمَّنَ فَسَادَ هَذَا الْحُكْمِ، وَهُوَ كَوْنُ الْوَلَاءِ لِغَيْرِ الْمُعْتَقِ.

وَأَمَّا بُطْلَانُهُ إِذَا شُرِطَ، فَإِنَّمَا اسْتُفِيدَ مِنْ تَصْرِيحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبُطْلَانِهِ بَعْدَ اشْتِرَاطِهِ، وَلَعَلَّ الْقَوْمَ اعْتَقَدُوا أَنَّ اشْتِرَاطَهُ يُفِيدُ الْوَفَاءَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ الْمُطْلَقِ فَأَبْطَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ شُرِطَ كَمَا أَبْطَلَهُ بِدُونِ الشَّرْطِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا فَاتَ مَقْصُودُ الْمُشْتَرِطِ بِبُطْلَانِ الشَّرْطِ، فَإِنَّهُ إِمَّا أَنْ يُسَلَّطَ عَلَى الْفَسْخِ، أَوْ يُعْطَى مِنَ الْأَرْشِ بِقَدْرِ مَا فَاتَ مِنْ غَرَضِهِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْضِ بِوَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ.

قِيلَ: هَذَا إِنَّمَا يُثْبِتُ إِذَا كَانَ الْمُشْتَرِطُ جَاهِلًا بِفَسَادِ الشَّرْطِ. فَأَمَّا إِذَا عَلِمَ بُطْلَانَهُ وَمُخَالَفَتَهُ لِحُكْمِ اللَّهِ كَانَ عَاصِيًا آثِمًا بِإِقْدَامِهِ عَلَى اشْتِرَاطِهِ، فَلَا فَسْخَ لَهُ وَلَا أَرْشَ، وَهَذَا أَظْهَرُ الْأَمْرَيْنِ فِي مَوَالِي بريرة وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ مَا فِي إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ مِنَ الْعُمُومِ]

فَصْلٌ

وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» " مِنَ الْعُمُومِ مَا يَقْتَضِي ثُبُوتَهُ لِمَنْ أَعْتَقَ سَائِبَةً أَوْ فِي زَكَاةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ عِتْقٍ وَاجِبٍ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وأبي حنيفة وأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ، وَقَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ: يُرَدُّ وَلَاؤُهُ فِي عِتْقِ مِثْلِهِ، وَيَحْتَجُّ بِعُمُومِهِ أحمد وَمَنْ وَافَقَهُ فِي أَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا أَعْتَقَ عَبْدًا ذِمِّيًّا ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ وَرِثَهُ بِالْوَلَاءِ، وَهَذَا الْعُمُومُ أَخَصُّ مِنْ قَوْلِهِ: ( «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ» ) فَيُخَصِّصُهُ أَوْ يُقَيِّدُهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ومالك وأبو حنيفة: لَا يَرِثُهُ بِالْوَلَاءِ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا، وَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا: إِنَّ عُمُومَ قَوْلِهِ " «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» " مَخْصُوصٌ بِقَوْلِهِ ( «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ» ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>