للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْجُمْهُورُ: دَعْوَى التَّخْصِيصِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، فَلَا تُقْبَلُ، وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: " «فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» "، إِشَارَةٌ إِلَى الْعِلَّةِ. فَلَوْ كَانَ مُخْتَصًّا بِهِ لَمْ يُشِرْ إِلَى الْعِلَّةِ، وَلَا سِيَّمَا إِنْ قِيلَ: لَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِالْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ. وَقَدْ قَالَ نَظِيرَ هَذَا فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ، فَقَالَ: " «زَمِّلُوهُمْ فِي ثِيَابِهِمْ، بِكُلُومِهِمْ، فَإِنَّهُمْ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ، وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ» ". وَهَذَا غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهِمْ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ: " «كَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» " وَلَمْ تَقُولُوا: إِنَّ هَذَا خَاصٌّ بِشُهَدَاءِ أُحُدٍ فَقَطْ، بَلْ عَدَّيْتُمُ الْحُكْمَ إِلَى سَائِرِ الشُّهَدَاءِ مَعَ إِمْكَانِ مَا ذَكَرْتُمْ مِنَ التَّخْصِيصِ فِيهِ. وَمَا الْفَرْقُ؟ وَشَهَادَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَاحِدَةٌ، وَأَيْضًا: فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُوَافِقٌ لِأُصُولِ الشَّرْعِ وَالْحِكْمَةِ الَّتِي رُتِّبَ عَلَيْهَا الْمُعَادُ، فَإِنَّ الْعَبْدَ يُبْعَثُ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ، وَمَنْ مَاتَ عَلَى حَالَةٍ بُعِثَ عَلَيْهَا فَلَوْ لَمْ يَرِدْ هَذَا الْحَدِيثُ، لَكَانَتْ أُصُولُ الشَّرْعِ شَاهِدَةً بِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[مُتَابَعَةُ سِيَاقِ حَجَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]

فَصْلٌ

عُدْنَا إِلَى سِيَاقِ حَجَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَاسْتَحْكَمَ غُرُوبُهَا، بِحَيْثُ ذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ، أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ خَلْفَهُ، وَأَفَاضَ بِالسَّكِينَةِ، وَضَمَّ إِلَيْهِ زِمَامَ نَاقَتِهِ، حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ طَرْفَ رَحْلِهِ وَهُوَ يَقُولُ: " «أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمُ السَّكِينَةَ، فَإِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بِالْإِيضَاعِ» " أَيْ: لَيْسَ بِالْإِسْرَاعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>