للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنِ الْحَرَامِ، وَيَسَعُهُ الْحَلَالُ فَلَا يَضِيقُ عَنْهُ، وَجَعَلَ لِكُلِّ عُسْرٍ يَمْتَحِنُهُمْ بِهِ يُسْرًا قَبْلَهُ وَيُسْرًا بَعْدَهُ، " فَلَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ "، فَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنُهُ سُبْحَانَهُ مَعَ عِبَادِهِ فَكَيْفَ يُكَلِّفُهُمْ مَا لَا يَسَعُهُمْ، فَضْلًا عَمَّا لَا يُطِيقُونَهُ وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ.

[فَصْلٌ في مَرَاتِبُ الْجِهَادِ]

[فَصْلٌ في مَرَاتِبُ جِهَادِ النَّفْسِ]

فَصْلٌ مَرَاتِبُ جِهَادِ النَّفْسِ

إِذَا عُرِفَ هَذَا فَالْجِهَادُ أَرْبَعُ مَرَاتِبَ: جِهَادُ النَّفْسِ، وَجِهَادُ الشَّيْطَانِ، وَجِهَادُ الْكُفَّارِ، وَجِهَادُ الْمُنَافِقِينَ.

فَجِهَادُ النَّفْسِ أَرْبَعُ مَرَاتِبَ أَيْضًا:

إِحْدَاهَا: أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى تَعَلُّمِ الْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ الَّذِي لَا فَلَاحَ لَهَا وَلَا سَعَادَةَ فِي مَعَاشِهَا وَمَعَادِهَا إِلَّا بِهِ، وَمَتَى فَاتَهَا عِلْمُهُ شَقِيَتْ فِي الدَّارَيْنِ.

الثَّانِيَةُ: أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى الْعَمَلِ بِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ الْعِلْمِ بِلَا عَمَلٍ إِنْ لَمْ يَضُرَّهَا لَمْ يَنْفَعْهَا.

الثَّالِثَةُ: أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى الدَّعْوَةِ إِلَيْهِ، وَتَعْلِيمِهِ مَنْ لَا يَعْلَمُهُ، وَإِلَّا كَانَ مِنَ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْهُدَى وَالْبَيِّنَاتِ، وَلَا يَنْفَعُهُ عِلْمُهُ، وَلَا يُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ.

الرَّابِعَةُ: أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى الصَّبْرِ عَلَى مَشَاقِّ الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ وَأَذَى الْخَلْقِ، وَيَتَحَمَّلُ ذَلِكَ كُلَّهُ لِلَّهِ. فَإِذَا اسْتَكْمَلَ هَذِهِ الْمَرَاتِبَ الْأَرْبَعَ صَارَ مِنَ الرَّبَّانِيِّينَ، فَإِنَّ السَّلَفَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْعَالِمَ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُسَمَّى رَبَّانِيًّا حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ وَيَعْمَلَ بِهِ وَيُعَلِّمَهُ، فَمَنْ عَلِمَ وَعَمِلَ وَعَلَّمَ فَذَاكَ يُدْعَى عَظِيمًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>