للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْمَغْرِبِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[فصل مِنْ هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عدم الْجَمْعُ رَاكِبًا فِي سَفَرِهِ]

فَصْلٌ

وَلَمْ يَكُنْ مِنْ هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَمْعُ رَاكِبًا فِي سَفَرِهِ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَلَا الْجَمْعُ حَالَ نُزُولِهِ أَيْضًا، وَإِنَّمَا كَانَ يَجْمَعُ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ، وَإِذَا سَارَ عَقِيبَ الصَّلَاةِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي قِصَّةِ تَبُوكَ، وَأَمَّا جَمْعُهُ وَهُوَ نَازِلٌ غَيْرَ مُسَافِرٍ فَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ عَنْهُ إِلَّا بِعَرَفَةَ لِأَجْلِ اتِّصَالِ الْوُقُوفِ، كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَشَيْخُنَا، وَلِهَذَا خَصَّهُ أبو حنيفة بِعَرَفَةَ وَجَعَلَهُ مِنْ تَمَامِ النُّسُكِ وَلَا تَأْثِيرَ لِلسَّفَرِ عِنْدَهُ فِيهِ. وأحمد، ومالك، وَالشَّافِعِيُّ، جَعَلُوا سَبَبَهُ السَّفَرَ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا، فَجَعَلَ الشَّافِعِيُّ، وأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْهُ التَّأْثِيرَ لِلسَّفَرِ الطَّوِيلِ، وَلَمْ يُجَوِّزَاهُ لِأَهْلِ مَكَّةَ، وَجَوَّزَ مالك، وأحمد فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْهُ لِأَهْلِ مَكَّةَ الْجَمْعَ وَالْقَصْرَ بِعَرَفَةَ، وَاخْتَارَهَا شَيْخُنَا وأبو الخطاب فِي عِبَادَاتِهِ، ثُمَّ طَرَّدَ شَيْخُنَا هَذَا وَجَعَلَهُ أَصْلًا فِي جَوَازِ الْقَصْرِ وَالْجَمْعِ فِي طَوِيلِ السَّفَرِ وَقَصِيرِهِ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ كَثِيرٍ مِنَ السَّلَفِ، وَجَعَلَهُ مالك وأبو الخطاب مَخْصُوصًا بِأَهْلِ مَكَّةَ.

وَلَمْ يَحُدَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ مَسَافَةً مَحْدُودَةً لِلْقَصْرِ وَالْفِطْرِ، بَلْ أَطْلَقَ لَهُمْ ذَلِكَ فِي مُطْلَقِ السَّفَرِ وَالضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ، كَمَا أَطْلَقَ لَهُمُ التَّيَمُّمَ فِي كُلِّ سَفَرٍ، وَأَمَّا مَا يُرْوَى عَنْهُ مِنَ التَّحْدِيدِ بِالْيَوْمِ أَوِ الْيَوْمَيْنِ أَوِ الثَّلَاثَةِ فَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ مِنْهَا شَيْءٌ الْبَتَّةَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ

[فصل فِي هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَاسْتِمَاعِهِ وَخُشُوعِهِ وَبُكَائِهِ عِنْدَ قِرَاءَتِهِ]

فَصْلٌ

فِي هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَاسْتِمَاعِهِ وَخُشُوعِهِ وَبُكَائِهِ عِنْدَ قِرَاءَتِهِ، وَاسْتِمَاعِهِ وَتَحْسِينِ صَوْتِهِ بِهِ وَتَوَابِعِ ذَلِكَ

كَانَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِزْبٌ يَقْرَؤُهُ، وَلَا يُخِلُّ بِهِ، وَكَانَتْ قِرَاءَتُهُ تَرْتِيلًا لَا هَذًّا وَلَا عَجَلَةً، بَلْ قِرَاءَةً مُفَسَّرَةً حَرْفًا حَرْفًا. وَكَانَ يُقَطِّعُ قِرَاءَتَهُ آيَةً آيَةً، وَكَانَ يَمُدُّ عِنْدَ حُرُوفِ الْمَدِّ، فَيَمُدُّ (الرَّحْمَنَ) وَيَمُدُّ (الرَّحِيمَ) وَكَانَ يَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>