طُلُوعِ الشَّمْسِ لِلْعُذْرِ، وَالْخَوْفِ عَلَيْهِنَّ مِنْ مُزَاحَمَةِ النَّاسِ وَحَطْمِهِمْ، وَهَذَا الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ، جَوَازُ الرَّمْيِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِلْعُذْرِ بِمَرَضٍ، أَوْ كِبَرٍ يَشُقُّ عَلَيْهِ مُزَاحَمَةُ النَّاسِ لِأَجْلِهِ، وَأَمَّا الْقَادِرُ الصَّحِيحُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ، أَحَدُهَا: الْجَوَازُ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ مُطْلَقًا لِلْقَادِرِ وَالْعَاجِزِ، كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وأحمد - رَحِمَهُمَا اللَّهُ -.
وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ إِلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ كَقَوْلِ أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وَالثَّالِثُ: لَا يَجُوزُ لِأَهْلِ الْقُدْرَةِ إِلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، كَقَوْلِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَالَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ، إِنَّمَا هُوَ التَّعْجِيلُ بَعْدَ غَيْبُوبَةِ الْقَمَرِ، لَا نِصْفِ اللَّيْلِ، وَلَيْسَ مَعَ مَنْ حَدَّهُ بِالنِّصْفِ دَلِيلٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[رُكْنِيَّةِ الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ وَالْمَبِيتِ بِهَا]
فَصْلٌ
فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ، صَلَّاهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لَا قَبْلَهُ قَطْعًا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ يَوْمَ النَّحْرِ، وَهُوَ يَوْمُ الْعِيدِ، وَهُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، وَهُوَ يَوْمُ الْأَذَانِ بِبَرَاءَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، مِنْ كُلِّ مُشْرِكٍ.
ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى أَتَى مَوْقِفَهُ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَأَخَذَ فِي الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ، وَالتَّكْبِيرِ، وَالتَّهْلِيلِ، وَالذِّكْرِ حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، وَذَلِكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ.
وَهُنَالِكَ سَأَلَهُ عروة بن مضرس الطائي، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -! إِنِّي جِئْتُ مِنْ جَبَلَيْ طَيِّئٍ، أَكْلَلْتُ رَاحِلَتِي، وَأَتْعَبْتُ نَفْسِي، وَاللَّهِ مَا تَرَكْتُ مِنْ جَبَلٍ إِلَّا وَقَفْتُ عَلَيْهِ، فَهَلْ لِي مِنْ حَجٍّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، فَقَدْ أَتَمَّ حَجَّهُ، وَقَضَى تَفَثَهُ» " قَالَ الترمذي: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute