يَصِلَ السِّنُّ إِلَى مُنْتَهَاهُ، فَحِينَئِذٍ جَعَلَ زِيَادَةَ عَدَدِ الْوَاجِبِ فِي مُقَابَلَةِ زِيَادَةِ عَدَدِ الْمَالِ.
فَاقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ أَنْ جَعَلَ فِي الْأَمْوَالِ قَدْرًا يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ، وَلَا يُجْحِفُ بِهَا، وَيَكْفِي الْمَسَاكِينَ، وَلَا يَحْتَاجُونَ مَعَهُ إِلَى شَيْءٍ، فَفَرَضَ فِي أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ مَا يَكْفِي الْفُقَرَاءَ، فَوَقَعَ الظُّلْمُ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ، الْغَنِيُّ يَمْنَعُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، وَالْآخِذُ يَأْخُذُ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ، فَتَوَلَّدَ مِنْ بَيْنِ الطَّائِفَتَيْنِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَفَاقَةٌ شَدِيدَةٌ أَوْجَبَتْ لَهُمْ أَنْوَاعَ الْحِيَلِ وَالْإِلْحَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَالرَّبُّ سُبْحَانَهُ تَوَلَّى قَسْمَ الصَّدَقَةِ بِنَفْسِهِ وَجَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ، يَجْمَعُهَا صِنْفَانِ مِنَ النَّاسِ.
أَحَدُهُمَا: مَنْ يَأْخُذُ لِحَاجَةٍ فَيَأْخُذُ بِحَسَبِ شِدَّةِ الْحَاجَةِ وَضَعْفِهَا وَكَثْرَتِهَا وَقِلَّتِهَا، وَهُمُ الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ، وَفِي الرِّقَابِ، وَابْنِ السَّبِيلِ.
وَالثَّانِي: مَنْ يَأْخُذُ لِمَنْفَعَتِهِ وَهُمُ الْعَامِلُونَ عَلَيْهَا، وَالْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ، وَالْغَارِمُونَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَالْغُزَاةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْآخِذُ مُحْتَاجًا، وَلَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَلَا سَهْمَ لَهُ فِي الزَّكَاةِ.
[فَصْلٌ إِعْطَاؤُهُ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلزَّكَاةِ]
فَصْلٌ.
وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَلِمَ مِنَ الرَّجُلِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ أَعْطَاهُ، وَإِنْ سَأَلَهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ وَلَمْ يَعْرِفْ حَالَهُ، أَعْطَاهُ بَعْدَ أَنْ يُخْبِرَهُ أَنَّهُ لَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute