وَنَظِيرُ هَذَا أَنَّهُ ( «نَهَى عَنْ إِفْرَادِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ، إِلَّا أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ» ) ، وَبِهَذَا يَزُولُ الْإِشْكَالُ الَّذِي ظَنَّهُ مَنْ قَالَ: إِنَّ صَوْمَهُ نَوْعُ تَعْظِيمٍ لَهُ، فَهُوَ مُوَافَقَةٌ لِأَهْلِ الْكِتَابِ فِي تَعْظِيمِهِ وَإِنْ تَضَمَّنَ مُخَالَفَتَهُمْ فِي صَوْمِهِ، فَإِنَّ التَّعْظِيمَ إِنَّمَا يَكُونُ إِذَا أُفْرِدَ بِالصَّوْمِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَجِئْ بِإِفْرَادِهِ، وَأَمَّا إِذَا صَامَهُ مَعَ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَعْظِيمٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ صِيَامُ الدَّهْرِ]
فَصْلٌ
وَلَمْ يَكُنْ مِنْ هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرْدُ الصَّوْمِ وَصِيَامُ الدَّهْرِ، بَلْ قَدْ قَالَ: ( «مَنْ صَامَ الدَّهْرَ لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ» ) وَلَيْسَ مُرَادُهُ بِهَذَا مَنْ صَامَ الْأَيَّامَ الْمُحَرَّمَةَ فَإِنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ جَوَابًا لِمَنْ قَالَ: أَرَأَيْتَ مَنْ صَامَ الدَّهْرَ؟ وَلَا يُقَالُ فِي جَوَابِ مَنْ فَعَلَ الْمُحَرَّمَ: لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ، فَإِنَّ هَذَا يُؤْذِنُ بِأَنَّهُ سَوَاءٌ فِطْرُهُ وَصَوْمُهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ، وَلَا يُعَاقَبُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَنْ فَعَلَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الصِّيَامِ، فَلَيْسَ هَذَا جَوَابًا مُطَابِقًا لِلسُّؤَالِ عَنِ الْمُحَرَّمِ مِنَ الصَّوْمِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا عِنْدَ مَنِ اسْتَحَبَّ صَوْمَ الدَّهْرِ قَدْ فَعَلَ مُسْتَحَبَّا وَحَرَامًا، وَهُوَ عِنْدَهُمْ قَدْ صَامَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَيَّامِ الِاسْتِحْبَابِ وَارْتَكَبَ مُحَرَّمًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَيَّامِ التَّحْرِيمِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا لَا يُقَالُ: " لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ ". فَتَنْزِيلُ قَوْلِهِ عَلَى ذَلِكَ غَلَطٌ ظَاهِرٌ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ أَيَّامَ التَّحْرِيمِ مُسْتَثْنَاةٌ بِالشَّرْعِ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلصَّوْمِ شَرْعًا فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ اللَّيْلِ شَرْعًا وَبِمَنْزِلَةِ أَيَّامِ الْحَيْضِ فَلَمْ يَكُنِ الصَّحَابَةُ لِيَسْأَلُوهُ عَنْ صَوْمِهَا، وَقَدْ عَلِمُوا عَدَمَ قَبُولِهَا لِلصَّوْمِ وَلَمْ يَكُنْ لِيُجِيبَهُمْ لَوْ لَمْ يَعْلَمُوا التَّحْرِيمَ بِقَوْلِهِ: (لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ) فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ لِلتَّحْرِيمِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute