مَلْفُوفٌ بِخِرْقَةٍ، فَلَمَّا رَأَى السَّيْفَ، ارْتَعَدَ وَسَقَطَتِ الْخِرْقَةُ، فَإِذَا هُوَ مَجْبُوبٌ لَا ذَكَرَ لَهُ» .
وَقَدْ أَشْكَلَ هَذَا الْقَضَاءُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، فَطَعَنَ بَعْضُهُمْ فِي الْحَدِيثِ، وَلَكِنْ لَيْسَ فِي إِسْنَادِهِ مَنْ يُتَعَلَّقُ عَلَيْهِ، وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ الْقَتْلِ، إِنَّمَا أَرَادَ تَخْوِيفَهُ لِيَزْدَجِرَ عَنْ مَجِيئِهِ إِلَيْهَا. قَالَ: وَهَذَا كَمَا قَالَ سُلَيْمَانُ لِلْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ اخْتَصَمَتَا إِلَيْهِ فِي الْوَلَدِ: " «عَلَيَّ بِالسِّكِّينِ حَتَّى أَشُقَّ الْوَلَدَ بَيْنَهُمَا» "، وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، بَلْ قَصَدَ اسْتِعْلَامَ الْأَمْرِ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ، وَلِذَلِكَ كَانَ مِنْ تَرَاجِمِ الْأَئِمَّةِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ: بَابُ الْحَاكِمِ يُوهِمُ خِلَافَ الْحَقِّ لَيُتَوَصَّلَ بِهِ إِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ، فَأَحَبَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعْرِفَ الصَّحَابَةُ بَرَاءَتَهُ، وَبَرَاءَةَ مارية، وَعُلِمَ أَنَّهُ إِذَا عَايَنَ السَّيْفَ، كَشَفَ عَنْ حَقِيقَةِ حَالِهِ، فَجَاءَ الْأَمْرُ كَمَا قَدَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَحْسَنُ مِنْ هَذَا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ عليا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَتْلِهِ تَعْزِيرًا لِإِقْدَامِهِ وَجُرْأَتِهِ عَلَى خَلْوَتِهِ بِأُمِّ وَلَدِهِ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لعلي حَقِيقَةُ الْحَالِ، وَأَنَّهُ بَرِيءٌ مِنَ الرِّيبَةِ، كَفَّ عَنْ قَتْلِهِ، وَاسْتَغْنَى عَنِ الْقَتْلِ بِتَبْيِينِ الْحَالِ، وَالتَّعْزِيرُ بِالْقَتْلِ لَيْسَ بِلَازِمٍ كَالْحَدِّ، بَلْ هُوَ تَابِعٌ لِلْمَصْلَحَةِ دَائِرٌ مَعَهَا وُجُودًا وَعَدَمًا.
[فَصْلٌ فِي قَضَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَتِيلِ يُوجَدُ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ]
رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «وُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذُرِعَ مَا بَيْنَهُمَا، فَوُجِدَ إِلَى أَحَدِهِمَا أَقْرَبُ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى شِبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَلْقَاهُ عَلَى أَقْرَبِهِمَا» .
وَفِي " مُصَنَّفِ عبد الرزاق " قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنَا فِي الْقَتِيلِ يُوجَدُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ دِيَارِ قَوْمٍ: أَنَّ الْأَيْمَانَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute