فَهَذَا عثمان وعلي وَابْنُ عَبَّاسٍ ومعاوية جَعَلُوا الْحُكْمَ إِلَى الْحَكَمَيْنِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ الْخِلَافُ بَيْنَ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِذَا قُلْنَا: إِنَّهُمَا وَكِيلَانِ، فَهَلْ يُجْبَرُ الزَّوْجَانِ عَلَى تَوْكِيلِ الزَّوْجِ فِي الْفُرْقَةِ بِعِوَضٍ وَغَيْرِهِ، وَتَوْكِيلِ الزَّوْجَةِ فِي بَذْلِ الْعِوَضِ أَوْ لَا يُجْبَرَانِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، فَإِنْ قُلْنَا: يُجْبَرَانِ فَلَمْ يُوَكِّلَا جَعَلَ الْحَاكِمُ ذَلِكَ إِلَى الْحَكَمَيْنِ بِغَيْرِ رِضَى الزَّوْجَيْنِ، وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُمَا حَكَمَانِ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى رِضَى الزَّوْجَيْنِ.
وَعَلَى هَذَا النِّزَاعِ يَنْبَنِي مَا لَوْ غَابَ الزَّوْجَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُمَا وَكِيلَانِ، لَمْ يَنْقَطِعْ نَظَرُ الْحَكَمَيْنِ، وَإِنْ قِيلَ: حَكَمَانِ انْقَطَعَ نَظَرُهُمَا لِعَدَمِ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ، وَقِيلَ: يَبْقَى نَظَرُهُمَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَطَرَّفَانِ لِحَظِّهِمَا فَهُمَا كَالنَّاظِرَيْنِ. وَإِنْ جُنَّ الزَّوْجَانِ، انْقَطَعَ نَظَرُ الْحَكَمَيْنِ، إِنْ قِيلَ: إِنَّهُمَا وَكِيلَانِ؛ لِأَنَّهُمَا فَرْعُ الْمُوَكِّلِينَ، وَلَمْ يَنْقَطِعْ إِنْ قِيلَ: إِنَّهُمَا حَكَمَانِ لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَلِي عَلَى الْمَجْنُونِ. وَقِيلَ: يَنْقَطِعُ أَيْضًا لِأَنَّهُمَا مَنْصُوبَانِ عَنْهُمَا فَكَأَنَّهُمَا وَكِيلَانِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُمَا حَكَمَانِ فِيهِمَا شَائِبَةُ الْوَكَالَةِ، وَوَكِيلَانِ مَنْصُوبَانِ لِلْحُكْمِ، فَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ رَجَّحَ جَانِبَ الْحُكْمِ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَجَّحَ جَانِبَ الْوَكَالَةِ وَمِنْهُمْ مَنِ اعْتَبَرَ الْأَمْرَيْنِ.
[حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخُلْعِ]
فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ": عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ( «أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعِيبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute