[الِاسْتِلْحَاقُ]
الثَّانِي: الِاسْتِلْحَاقُ، وَقَدِ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَسْتَلْحِقَ، فَأَمَّا الْجَدُّ فَإِنْ كَانَ الْأَبُ مَوْجُودًا لَمْ يُؤَثِّرِ اسْتِلْحَاقُهُ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ مَعْدُومًا، وَهُوَ كُلُّ الْوَرَثَةِ، صَحَّ إِقْرَارُهُ وَثَبَتَ نَسَبُ الْمُقَرِّ بِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضَ الْوَرَثَةِ وَصَدَّقُوهُ فَكَذَلِكَ، وَإِلَّا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ فِيهِ.
وَالْحُكْمُ فِي الْأَخِ كَالْحُكْمِ فِي الْجَدِّ سَوَاءٌ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ مَنْ حَازَ الْمَالَ يَثْبُتُ النَّسَبُ بِإِقْرَارِهِ وَاحِدًا كَانَ أَوْ جَمَاعَةً، وَهَذَا أَصْلُ مَذْهَبِ أحمد وَالشَّافِعِيِّ، لِأَنَّ الْوَرَثَةَ قَامُوا مَقَامَ الْمَيِّتِ وَحَلُّوا مَحَلَّهُ.
وَأَوْرَدَ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ إِجْمَاعُ الْوَرَثَةِ عَلَى إِلْحَاقِ النَّسَبِ يُثْبِتُ النَّسَبَ لَلَزِمَ إِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى نَفْيِ حَمْلٍ مِنْ أَمَةٍ وَطِئَهَا الْمَيِّتُ أَنْ يَحِلُّوا مَحَلَّهُ فِي نَفْيِ النَّسَبِ، كَمَا حَلُّوا مَحَلَّهُ فِي إِلْحَاقِهِ، وَهَذَا لَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّا اعْتَبَرْنَا جَمِيعَ الْوَرَثَةِ وَالْحَمْلِ مِنَ الْوَرَثَةِ، فَلَمْ يُجْمِعِ الْوَرَثَةُ عَلَى نَفْيِهِ.
فَإِنْ قِيلَ؛ فَأَنْتُمُ اعْتَبَرْتُمْ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ إِقْرَارَ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ، وَالْمُقِرُّ هَاهُنَا إِنَّمَا هُوَ عبد، وسودة لَمْ تُقِرَّ بِهِ وَهِيَ أُخْتُهُ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْحَقَهُ بِعَبْدٍ بِاسْتِلْحَاقِهِ، فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِلْحَاقِ الْأَخِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ بِإِقْرَارِهِ، وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اسْتِلْحَاقَ أَحَدِ الْإِخْوَةِ كَافٍ.
قِيلَ: سودة لَمْ تَكُنْ مُنْكِرَةً، فَإِنَّ عبدا اسْتَلْحَقَهُ وَأَقَرَّتْهُ سودة عَلَى اسْتِلْحَاقِهِ، وَإِقْرَارُهَا وَسُكُوتُهَا عَلَى هَذَا الْأَمْرِ الْمُتَعَدِّي حُكْمُهُ إِلَيْهَا مِنْ خَلْوَتِهِ بِهَا وَرُؤْيَتِهِ إِيَّاهَا وَصَيْرُورَتِهِ أَخًا لَهَا تَصْدِيقٌ لِأَخِيهَا عبد وَإِقْرَارٌ بِمَا أَقَرَّ بِهِ، وَإِلَّا لَبَادَرَتْ إِلَى الْإِنْكَارِ وَالتَّكْذِيبِ، فَجَرَى رِضَاهَا وَإِقْرَارُهَا مَجْرَى تَصْدِيقِهَا، هَذَا إِنْ كَانَ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهَا تَصْدِيقٌ صَرِيحٌ فَالْوَاقِعَةُ وَاقِعَةُ عَيْنٍ، وَمَتَى اسْتَلْحَقَ الْأَخُ أَوِ الْجَدُّ أَوْ غَيْرُهُمَا نَسَبَ مَنْ لَوْ أَقَرَّ بِهِ مُوَرِّثُهُمْ لَحِقَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مَا لَمْ يَكُنْ هُنَا وَارِثٌ مُنَازِعٌ، فَالِاسْتِلْحَاقُ مُقْتَضٍ لِثُبُوتِ النَّسَبِ، وَمُنَازَعَةُ غَيْرِهِ مِنَ الْوَرَثَةِ مَانِعٌ مِنَ الثُّبُوتِ، فَإِذَا وُجِدَ الْمُقْتَضِي، وَلَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ مِنَ اقْتِضَائِهِ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute