أَحَدُهُمَا: أَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يَثْبُتُ بِأَقَلَّ مِنْ سَبْعٍ، كَمَا سُئِلَ طَاوُسٌ عَنْ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: لَا يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعِ دُونَ سَبْعِ رَضَعَاتٍ، فَقَالَ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ، ثُمَّ حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرٌ جَاءَ بِالتَّحْرِيمِ، الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ تُحَرِّمُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ.
الثَّانِي: التَّحْرِيمُ إِنَّمَا يَثْبُتُ بِعَشْرِ رَضَعَاتٍ، وَهَذَا يُرْوَى عَنْ حفصة وعائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
وَفِيهَا مَذْهَبٌ آخَرُ، وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِنَّ قَالَ طَاوُسٌ: كَانَ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَضَعَاتٌ مُحَرِّمَاتٌ، وَلِسَائِرِ النَّاسِ رَضَعَاتٌ مَعْلُومَاتٌ، ثُمَّ تُرِكَ ذَلِكَ بَعْدُ، وَقَدْ تَبَيَّنَ الصَّحِيحُ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
[فصل حَدُّ الرَّضْعَةِ]
فَصْلٌ فَإِنْ قِيلَ مَا هِيَ الرَّضْعَةُ الَّتِي تَنْفَصِلُ مِنْ أُخْتِهَا، وَمَا حَدُّهَا؟ قِيلَ: الرَّضْعَةُ فَعْلَةٌ مِنَ الرَّضَاعِ، فَهِيَ مَرَّةٌ مِنْهُ بِلَا شَكٍّ، كَضَرْبَةٍ وَجَلْسَةٍ وَأَكْلَةٍ، فَمَتَى الْتَقَمَ الثَّدْيَ، فَامْتَصَّ مِنْهُ ثُمَّ تَرَكَهُ بِاخْتِيَارِهِ، مِنْ غَيْرِ عَارِضٍ كَانَ ذَلِكَ رَضْعَةً؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِذَلِكَ مُطْلَقًا، فَحُمِلَ عَلَى الْعُرْفِ، وَالْعُرْفُ هَذَا، وَالْقَطْعُ الْعَارِضُ لِتَنَفُّسٍ أَوِ اسْتِرَاحَةٍ يَسِيرَةٍ، أَوْ لِشَيْءٍ يُلْهِيهِ، ثُمَّ يَعُودُ عَنْ قُرْبٍ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ رَضْعَةً وَاحِدَةً، كَمَا أَنَّ الْآكِلَ إِذَا قَطَعَ أَكْلَتَهُ بِذَلِكَ، ثُمَّ عَادَ عَنْ قَرِيبٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ أَكْلَتَيْنِ بَلْ وَاحِدَةً، هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَلَهُمْ فِيمَا إِذَا قَطَعَتِ الْمُرْضِعَةُ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَعَادَتْهُ وَجْهَانِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا رَضْعَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ قَطَعَتْهُ مِرَارًا حَتَّى يَقْطَعَ بِاخْتِيَارِهِ. قَالُوا: لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِفِعْلِهِ لَا بِفِعْلِ الْمُرْضِعَةِ، وَلِهَذَا لَوِ ارْتَضَعَ مِنْهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ حُسِبَتْ رَضْعَةً، فَإِذَا قَطَعَتْ عَلَيْهِ، لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي أَكْلَةٍ وَاحِدَةٍ أَمَرَهُ بِهَا الطَّبِيبُ، فَجَاءَ شَخْصٌ فَقَطَعَهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ عَادَ، فَإِنَّهَا أَكْلَةٌ وَاحِدَةٌ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا رَضْعَةٌ أُخْرَى لِأَنَّ الرَّضَاعَ يَصِحُّ مِنَ الْمُرْتَضِعِ وَمِنَ الْمُرْضِعَةِ وَلِهَذَا لَوْ أَوْجَرَتْهُ وَهُوَ نَائِمٌ احْتُسِبَ رَضْعَةً.
وَلَهُمْ فِيمَا إِذَا انْتَقَلَ مِنْ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ إِلَى ثَدْيِ غَيْرِهَا وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute