يُعْتَدُّ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ انْتَقَلَ مِنْ إِحْدَاهُمَا إِلَى الْأُخْرَى قَبْلَ تَمَامِ الرَّضْعَةِ، فَلَمْ تَتِمَّ الرَّضْعَةُ مِنْ إِحْدَاهُمَا. وَلِهَذَا لَوِ انْتَقَلَ مِنْ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ إِلَى ثَدْيِهَا الْآخَرِ كَانَا رَضْعَةً وَاحِدَةً.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُحْتَسَبُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَضْعَةٌ، لِأَنَّهُ ارْتَضَعَ، وَقَطَعَهُ بِاخْتِيَارِهِ مِنْ شَخْصَيْنِ.
وَأَمَّا مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَقَالَ صَاحِبُ " الْمُغْنِي ": إِذَا قَطَعَ قَطْعًا بَيِّنًا بِاخْتِيَارِهِ، كَانَ ذَلِكَ رَضْعَةً، فَإِنْ عَادَ كَانَ رَضْعَةً أُخْرَى، فَأَمَّا إِنْ قَطَعَ لِضِيقِ نَفَسٍ، أَوْ لِلِانْتِقَالِ مِنْ ثَدْيٍ إِلَى ثَدْيٍ، أَوْ لِشَيْءٍ يُلْهِيهِ، أَوْ قَطَعَتْ عَلَيْهِ الْمُرْضِعَةُ، نَظَرْنَا، فَإِنْ لَمْ يَعُدْ قَرِيبًا، فَهِيَ رَضْعَةٌ، وَإِنْ عَادَ فِي الْحَالِ، فَفِيهِ وَجِهَانُ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأُولَى رَضْعَةٌ، فَإِذَا عَادَ، فَهِيَ رَضْعَةٌ أُخْرَى، قَالَ: وَهَذَا اخْتِيَارُ أبي بكر، وَظَاهِرُ كَلَامِ أحمد فِي رِوَايَةِ حنبل، فَإِنَّهُ قَالَ: أَمَا تَرَى الصَّبِيَّ يَرْتَضِعُ مِنَ الثَّدْيِ، فَإِذَا أَدْرَكَهُ النَّفَسُ، أَمْسَكَ عَنِ الثَّدْيِ لِيَتَنَفَّسَ، أَوْ لِيَسْتَرِيحَ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ، فَهِيَ رَضْعَةٌ، قَالَ الشَّيْخُ: وَذَلِكَ أَنَّ الْأُولَى رَضْعَةٌ لَوْ لَمْ يَعُدْ، فَكَانَتْ رَضْعَةً، وَإِنْ عَادَ، كَمَا لَوْ قَطَعَ بِاخْتِيَارِهِ.
وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ رَضْعَةٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ إِلَّا فِيمَا إِذَا قَطَعَتْ عَلَيْهِ الْمُرْضِعَةُ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ: لَا أَكَلْتُ الْيَوْمَ إِلَّا أَكْلَةً وَاحِدَةً، فَاسْتَدَامَ الْأَكْلَ زَمَنًا، أَوِ انْقَطَعَ لِشُرْبِ مَاءٍ، أَوِ انْتِقَالٍ مِنْ لَوْنٍ إِلَى لَوْنٍ، أَوِ انْتِظَارٍ لِمَا يُحْمَلُ إِلَيْهِ مِنَ الطَّعَامِ لَمْ يُعَدَّ إِلَّا أَكْلَةً وَاحِدَةً فَكَذَا هَاهُنَا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْيَسِيرَ مِنَ السَّعُوطِ وَالْوَجُورِ رَضْعَةٌ، فَكَذَا هَذَا.
قُلْتُ: وَكَلَامُ أحمد يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ، أَحَدُهُمَا: مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: " فَهِيَ رَضْعَةٌ "، عَائِدًا إِلَى الرَّضْعَةِ الثَّانِيَةِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَجْمُوعُ رَضْعَةً، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: " فَهِيَ رَضْعَةٌ " عَائِدًا إِلَى الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي، وَهَذَا أَظْهَرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute