فَإِنْ قَالُوا: بَلْ هُوَ اسْمٌ لِلطُّهْرِ بِشَرْطِ الْحَيْضِ. فَإِذَا انْتَفَى الشَّرْطُ، انْتَفَى الْمَشْرُوطُ، قُلْنَا: هَذَا إِنَّمَا يُمْكِنُ لَوْ عَلَّقَ الشَّارِعُ الِاسْتِبْرَاءَ بِقُرْءِ، فَأَمَّا مَعَ تَصْرِيحِهِ عَلَى التَّعْلِيقِ بِحَيْضَةٍ، فَلَا.
[فصل لَا يَحْصُلُ بِبَعْضِ حَيْضَةٍ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي اكْتِفَاءٌ بِهَا]
فَصْلٌ
الْحُكْمُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِبَعْضِ حَيْضَةٍ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي اكْتِفَاءٌ بِهَا. قَالَ صَاحِبُ (الْجَوَاهِرِ) : فَإِنْ بِيعَتِ الْأَمَةُ فِي آخِرِ أَيَّامِ حَيْضِهَا، لَمْ يَكُنْ مَا بَقِيَ مِنْ أَيَّامِ حَيْضِهَا اسْتِبْرَاءً لَهَا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَإِنْ بِيعَتْ وَهِيَ فِي أَوَّلِ حَيْضَتِهَا، فَالْمَشْهُورُ مِنَ الْمَذْهَبِ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ اسْتِبْرَاءً لَهَا.
وَقَدِ احْتَجَّ مَنْ نَازَعَ مَالِكًا بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ عَلَّقَ الْحِلَّ بِحَيْضَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ تَمَامِهَا، وَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِهِ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْحَيْضَةِ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَكِنَّ النِّزَاعَ فِي أَمْرٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْحَيْضَةِ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ، أَوْ يَكْفِي أَنْ يَكُونَ مُعْظَمُهَا فِي مِلْكِهِ، فَهَذَا لَا يَنْفِيهِ الْحَدِيثُ، وَلَا يُثْبِتُهُ، وَلَكِنْ لِمُنَازِعِيهِ أَنْ يَقُولُوا: لَمَّا اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي أَنْ يَكُونَ بَعْضُهَا فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَبَعْضُهَا فِي مِلْكِ الْبَائِعِ إِذَا كَانَ أَكْثَرُهَا عِنْدَ الْبَائِعِ، عُلِمَ أَنَّ الْحَيْضَةَ الْمُعْتَبَرَةَ أَنْ تَكُونَ وَهِيَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَلِهَذَا لَوْ حَاضَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَافِيًا فِي الِاسْتِبْرَاءِ.
وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِ مالك، يُجِيبُ عَنْ هَذَا بِأَنَّهَا إِذَا حَاضَتْ قَبْلَ الْبَيْعِ وَهِيَ مُودَعَةٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ بَاعَهَا عَقِيبَ الْحَيْضَةِ، وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ، اكْتُفِيَ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُشْتَرِي اسْتِبْرَاءٌ ثَانٍ، وَهَذَا أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ مالك كَمَا تَقَدَّمَ، فَهُوَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِبْرَاءُ وَاقِعًا قَبْلَ الْبَيْعِ فِي صُوَرٍ، مِنْهَا هَذِهِ.
وَمِنْهَا إِذَا وُضِعَتْ لِلِاسْتِبْرَاءِ عِنْدَ ثَالِثٍ، فَاسْتَبْرَأَهَا، ثُمَّ بِيعَتْ بَعْدَهُ.
قَالَ فِي (الْجَوَاهِرِ) : وَلَا يُجْزِئُ الِاسْتِبْرَاءُ قَبْلَ الْبَيْعِ إِلَّا فِي حَالَاتٍ مِنْهَا: أَنْ تَكُونَ تَحْتَ يَدِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute