عُبُودِيَّتِهِ، وَعَرَفَ نَفْسَهُ وَصِفَاتِهَا وَأَفْعَالَهَا، وَأَنَّ الَّذِي قَامَ بِهِ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَقِّ رَبِّهِ عَلَيْهِ كَقَطْرَةٍ فِي بَحْرٍ، هَذَا إِذَا سَلِمَ مِنَ الْآفَاتِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، فَسُبْحَانَ مَنْ لَا يَسَعُ عِبَادَهُ غَيْرُ عَفْوِهِ وَمَغْفِرَتِهِ وَتَغَمُّدِهِ لَهُمْ بِمَغْفِرَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَلَيْسَ إِلَّا ذَلِكَ أَوِ الْهَلَاكَ، فَإِنْ وَضَعَ عَلَيْهِمْ عَدْلَهُ فَعَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَرْضِهِ، عَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ، وَإِنْ رَحِمَهُمْ فَرَحْمَتُهُ خَيْرٌ لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَلَا يُنْجِي أَحَدًا مِنْهُمْ عَمَلُهُ.
[فَصْلٌ في مَعْنَى تَكْرِيرِ اللَّهِ لِلَفْظِ التَّوْبَةِ فِي الْآيَةِ]
فَصْلٌ
وَتَأَمَّلْ تَكْرِيرَهُ سُبْحَانَهُ تَوْبَتَهُ عَلَيْهِمْ مَرَّتَيْنِ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ وَآخِرِهَا، فَإِنَّهُ تَابَ عَلَيْهِمْ أَوَّلًا بِتَوْفِيقِهِمْ لِلتَّوْبَةِ، فَلَمَّا تَابُوا تَابَ عَلَيْهِمْ ثَانِيًا بِقَبُولِهَا مِنْهُمْ، وَهُوَ الَّذِي وَفَّقَهُمْ لِفِعْلِهَا، وَتَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ بِقَبُولِهَا، فَالْخَيْرُ كُلُّهُ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ وَفِي يَدَيْهِ، يُعْطِيهِ مَنْ يَشَاءُ إِحْسَانًا وَفَضْلًا، وَيَحْرِمُهُ مَنْ يَشَاءُ حِكْمَةً وَعَدْلًا.
[فَصْلٌ مَعْنَى كَلِمَةِ خُلِّفُوا فِي الْآيَةِ]
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة: ١١٨] [التَّوْبَةِ: ١١٨] ، قَدْ فَسَّرَهَا كعب بِالصَّوَابِ، وَهُوَ أَنَّهُمْ خُلِّفُوا مِنْ بَيْنِ مَنْ حَلَفَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاعْتَذَرَ مِنَ الْمُتَخَلِّفِينَ، فَخَلَّفَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ عَنْهُمْ، وَأَرْجَأَ أَمْرَهُمْ دُونَهُمْ، وَلَيْسَ ذَلِكَ تَخَلُّفَهُمْ عَنِ الْغَزْوِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَقَالَ: تَخَلَّفُوا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ} [التوبة: ١٢٠] [التَّوْبَةِ: ١٢٠] ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ تَخَلَّفُوا بِأَنْفُسِهِمْ، بِخِلَافِ تَخْلِيفِهِمْ عَنْ أَمْرِ الْمُتَخَلِّفِينَ سِوَاهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي خَلَّفَهُمْ عَنْهُمْ، وَلَمْ يَتَخَلَّفُوا عَنْهُ بِأَنْفُسِهِمْ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ فِي حَجَّةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَنَةَ تِسْعٍ بَعْدَ مَقْدِمِهِ مِنْ تَبُوكَ]
فِي حَجَّةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَنَةَ تِسْعٍ بَعْدَ مَقْدِمِهِ مِنْ تَبُوكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute