الْحَمْلَ مِنْ غَيْرِهِ، وَهُوَ بِوَطْئِهِ يُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَهُ مِنْهُ، فَيُوَرِّثَهُ مَالَهُ، وَهَذَا يَرُدُّهُ أَوَّلَ الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: (كَيْفَ يَسْتَعْبِدُهُ) ؟ أَيْ: كَيْفَ يَجْعَلُهُ عَبْدَهُ؟ وَهَذَا إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ.
وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ، فَهُوَ صَرِيحٌ فِي تَحْرِيمِ وَطْءِ الْحَامِلِ مِنْ غَيْرِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْحَمْلُ مِنْ زِنًى أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ جَدِيرٌ بِاللَّعْنِ، بَلْ قَدْ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ أحمد وَغَيْرِهِمْ: بِأَنَّ الرَّجُلَ إِذَا مَلَكَ زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ لَمْ يَطَأْهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا خَشْيَةَ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا مِنْهُ فِي صُلْبِ النِّكَاحِ، فَيَكُونُ عَلَى وَلَدِهِ الْوَلَاءُ لِمَوَالِي أُمِّهِ بِخِلَافِ مَا عَلِقَتْ بِهِ فِي مِلْكِهِ، فَإِنَّهُ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ، وَهَذَا كُلُّهُ احْتِيَاطٌ لِوَلَدِهِ: هَلْ هُوَ صَرِيحُ الْحُرِّيَّةِ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ؟ فَكَيْفَ إِذَا كَانَتْ حَامِلًا مِنْ غَيْرِهِ؟
[فصل لَا تَحِيضُ الْحَامِلُ]
فَصْلٌ
الْحُكْمُ السَّادِسُ: اسْتُنْبِطَ مِنْ قَوْلِهِ: ( «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَى تَضَعَ، وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ» ) ، أَنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ، وَأَنَّ مَا تَرَاهُ مِنَ الدَّمِ يَكُونُ دَمَ فَسَادٍ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحَاضَةِ، تَصُومُ وَتُصَلِّي، وَتَطُوفُ بِالْبَيْتِ، وَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ اخْتَلَفَ فِيهَا الْفُقَهَاءُ، فَذَهَبَ عطاء والحسن، وعكرمة ومكحول، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، وَالشَّعْبِيُّ، والنخعي، والحكم، وحماد، وَالزُّهْرِيُّ، وأبو حنيفة وَأَصْحَابُهُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وأبو عبيد، وَأَبُو ثَوْرٍ، وابن المنذر، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِهِ، وَالشَّافِعِيُّ، فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ دَمَ حَيْضٍ.
وَقَالَ قتادة، وربيعة، ومالك، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: إِنَّهُ دَمُ حَيْضٍ، وَقَدْ ذَكَرَهُ البيهقي فِي (سُنَنِهِ) وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: قَالَ لِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مَا تَقُولُ فِي الْحَامِلِ تَرَى الدَّمَ؟ فَقُلْتُ: تُصَلِّي وَاحْتَجَجْتُ بِخَبَرِ عطاء عَنْ عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. قَالَ: فَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: أَيْنَ أَنْتَ عَنْ خَبَرِ الْمَدَنِيِّينَ، خَبَرِ أم علقمة مولاة عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -؟ فَإِنَّهُ أَصَحُّ.
قَالَ إسحاق: فَرَجَعْتُ إِلَى قَوْلِ أحمد، وَهُوَ كَالتَّصْرِيحِ مِنْ أحمد، بِأَنَّ دَمَ الْحَامِلِ دَمُ حَيْضٍ، وَهُوَ الَّذِي فَهِمَهُ إسحاق عَنْهُ، وَالْخَبَرُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ أحمد،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute