الْعَقْدَ فِي الْعِدَّةِ خَشْيَةَ إِمْكَانِ الْحَمْلِ، فَيَكُونُ وَاطِئًا حَامِلًا مِنْ غَيْرِهِ، وَسَاقِيًا مَاءَهُ لِزَرْعِ غَيْرِهِ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ، فَكَيْفَ إِذَا تَحَقَّقَ حَمْلُهَا.
وَغَايَةُ مَا يُقَالُ: إِنَّ وَلَدَ الزَّانِيَةِ لَيْسَ لَاحِقًا بِالْوَاطِئِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ إِقْدَامُهُ عَلَى خَلْطِ مَائِهِ وَنَسَبِهِ بِغَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْ بِالْوَاطِئِ الْأَوَّلِ، فَصِيَانَةُ مَائِهِ وَنَسَبِهِ عَنْ نَسَبٍ لَا يَلْحَقُ بِوَاضِعِهِ لِصِيَانَتِهِ عَنْ نَسَبٍ يَلْحَقُ بِهِ.
وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ الشَّرْعَ حَرَّمَ وَطْءَ الْأَمَةِ الْحَامِلِ حَتَّى تَضَعَ، سَوَاءٌ كَانَ حَمْلُهَا مُحَرَّمًا أَوْ غَيْرَ مُحَرَّمٍ وَقَدْ فَرَّقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الَّتِي تَزَوَّجَ بِهَا، فَوَجَدَهَا حُبْلَى، وَجَلَدَهَا الْحَدَّ، وَقَضَى لَهَا بِالصَّدَاقِ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي بُطْلَانِ الْعَقْدِ عَلَى الْحَامِلِ مِنَ الزِّنَى. (وَصَحَّ عَنْهُ «أَنَّهُ مَرَّ بِامْرَأَةِ مُجِحٍّ عَلَى بَابٍ فُسْطَاطٍ فَقَالَ: (لَعَلَّ سَيِّدَهَا يُرِيدُ أَنْ يُلِمَّ بِهَا) ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: (لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنًا يَدْخُلُ مَعَهُ قَبْرَهُ، كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ، كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ» ؟) .
فَجَعَلَ سَبَبَ هَمِّهِ بِلَعْنَتِهِ وَطْأَهُ لِلْأَمَةِ الْحَامِلِ، وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ عَنْ حَمْلِهَا، هَلْ هُوَ لَاحِقٌ بِالْوَاطِئِ أَمْ غَيْرُ لَاحِقٍ بِهِ؟ وَقَوْلُهُ: (كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ) أَيْ: كَيْفَ يَجْعَلُهُ عَبْدًا لَهُ يَسْتَخْدِمُهُ، وَذَلِكَ لَا يَحِلُّ، فَإِنَّ مَاءَ هَذَا الْوَاطِئِ يَزِيدُ فِي خَلْقِ الْحَمْلِ، فَيَكُونُ بَعْضُهُ مِنْهُ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ يَزِيدُ وَطْؤُهُ فِي سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ.
وَقَوْلُهُ: (كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ) ، سَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ يَقُولُ فِيهِ: أَيْ كَيْفَ يَجْعَلُهُ تَرِكَةً مَوْرُوثَةً عَنْهُ، فَإِنَّهُ يَعْتَقِدُهُ عَبْدَهُ، فَيَجْعَلُهُ تَرِكَةً تُورَثُ عَنْهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَاءَهُ زَادَ فِي خَلْقِهِ، فَفِيهِ جُزْءٌ مِنْهُ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمَعْنَى: كَيْفَ يُوَرِّثُهُ عَلَى أَنَّهُ ابْنُهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute