بِهِ النَّصُّ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْقِي مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» ) ، وَهَذَا يَعُمُّ الزَّرْعَ الطَّيِّبَ وَالْخَبِيثَ، وَلِأَنَّ صِيَانَةَ مَاءِ الْوَاطِئِ عَنِ الْمَاءِ الْخَبِيثِ حَتَّى لَا يَخْتَلِطَ بِهِ أَوْلَى مِنْ صِيَانَتِهِ عَنِ الْمَاءِ الطَّيِّبِ؛ وَلِأَنَّ حَمْلَ الزَّانِي وَإِنْ كَانَ لَا حُرْمَةَ لَهُ، وَلَا لِمَائِهِ، فَحَمْلُ هَذَا الْوَاطِئِ وَمَاؤُهُ مُحْتَرَمٌ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ خَلْطُهُ بِغَيْرِهِ، وَلِأَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِسُنَّةِ اللَّهِ فِي تَمْيِيزِ الْخَبِيثِ مِنَ الطَّيِّبِ، وَتَخْلِيصِهِ مِنْهُ، وَإِلْحَاقِ كُلِّ قِسْمٍ بِمُجَانِسِهِ وَمُشَاكِلِهِ.
وَالَّذِي يَقْضِي مِنْهُ الْعَجَبَ تَجْوِيزُ مَنْ جَوَّزَ مِنَ الْفُقَهَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْعَقْدَ عَلَى الزَّانِيَةِ قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا وَوَطْئَهَا عَقِيبَ الْعُقَدِ، فَتَكُونُ اللَّيْلَةَ عِنْدَ الزَّانِي وَقَدْ عَلِقَتْ مِنْهُ، وَاللَّيْلَةَ الَّتِي تَلِيهَا فِرَاشًا لِلزَّوْجِ.
وَمَنْ تَأَمَّلَ كَمَالَ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ عَلِمَ أَنَّهَا تَأْبَى ذَلِكَ كُلَّ الْإِبَاءِ وَتَمْنَعُ مِنْهُ كُلَّ الْمَنْعِ
وَمِنْ مَحَاسِنِ مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، أَنْ حَرَّمَ نِكَاحَهَا بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى تَتُوبَ، وَيَرْتَفِعَ عَنْهَا اسْمُ الزَّانِيَةِ وَالْبَغِيِّ وَالْفَاجِرَةِ، فَهُوَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُجَوِّزُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ زَوْجَ بَغِيٍّ، وَمُنَازِعُوهُ يُجَوِّزُونَ ذَلِكَ، وَهُوَ أسعد مِنْهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالْأَدِلَّةِ كُلِّهَا مِنَ النُّصُوصِ وَالْآثَارِ، وَالْمَعَانِي وَالْقِيَاسِ، وَالْمَصْلَحَةِ وَالْحِكْمَةِ، وَتَحْرِيمِ مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ قَبِيحًا.
وَالنَّاسُ إِذَا بَالَغُوا فِي سَبِّ الرَّجُلِ صَرَّحُوا لَهُ بِالزَّايِ وَالْقَافِ، فَكَيْفَ تُجَوِّزُ الشَّرِيعَةُ مِثْلَ هَذَا، مَعَ مَا فِيهِ مِنْ تَعَرُّضِهِ لِإِفْسَادِ فِرَاشِهِ، وَتَعْلِيقِ أَوْلَادٍ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَتَعَرُّضِهِ لِلِاسْمِ الْمَذْمُومِ عِنْدَ جَمِيعِ الْأُمَمِ؟ وَقِيَاسُ قَوْلِ مَنْ جَوَّزَ الْعَقْدَ عَلَى الزَّانِيَةِ وَوَطْئَهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ حَامِلًا، أَنْ لَا يُوجِبَ اسْتِبْرَاءَ الْأَمَةِ إِذَا كَانَتْ حَامِلًا مِنَ الزِّنَى، بَلْ يَطَؤُهَا عَقِيبَ مِلْكِهَا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ السُّنَّةِ.
فَإِنْ أَوْجَبَ اسْتِبْرَاءَهَا، نَقَضَ قَوْلَهُ بِجَوَازِ وَطْءُ الزَّانِيَةِ قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا، وَإِنْ لَمْ يُوجِبِ اسْتِبْرَاءَهَا، خَالَفَ النُّصُوصَ، وَلَا يَنْفَعُهُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، بِأَنَّ الزَّوْجَ لَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ السَّيِّدِ فَإِنَّ الزَّوْجَ إِنَّمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْقِدْ عَلَى مُعْتَدَّةٍ، وَلَا حَامِلٍ مِنْ غَيْرِهِ بِخِلَافِ السَّيِّدِ، ثُمَّ إِنَّ الشَّارِعَ إِنَّمَا حَرَّمَ الْوَطْءَ، بَلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute