إِذَا لَمْ يَحْلِفْ غُرَمَاؤُهُمْ، وَلَا إِسْقَاطُهَا عَنْهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ حَيْثُ لَمْ يَحْلِفُوا، فَجُعِلَتِ الدِّيَةُ نِصْفَيْنِ، وَوَجَبَ نِصْفُهَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ لِثُبُوتِ الشُّبْهَةِ فِي حَقِّهِمْ بِتَرْكِ الْيَمِينِ، وَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمْ بِكَمَالِهَا، لِأَنَّ خُصُومَهُمْ لَمْ يَحْلِفُوا، فَلَمَّا كَانَ اللَّوْثُ مُتَرَكِّبًا مِنْ يَمِينِ الْمُدَّعِينَ، وَنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَتِمَّ، سَقَطَ مَا يُقَابِلُ أَيْمَانَ الْمُدَّعِينَ وَهُوَ النِّصْفُ، وَوَجَبَ مَا يُقَابِلُ نُكُولَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَهُوَ النِّصْفُ، وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ الْأَحْكَامِ وَأَعْدَلِهَا، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
[فَصْلٌ فِي قَضَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَأْخِيرِ الْقِصَاصِ مِنَ الْجُرْحِ حَتَّى يَنْدَمِلَ]
ذَكَرَ عبد الرزاق فِي " مُصَنَّفِهِ " وَغَيْرُهُ: مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَجُلٍ طَعَنَ آخَرَ بِقَرْنٍ فِي رِجْلِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقِدْنِي، فَقَالَ: " حَتَّى تَبْرَأَ جِرَاحُكَ "، فَأَبَى الرَّجُلُ إِلَّا أَنْ يَسْتَقِيدَهُ، فَأَقَادَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَحَّ الْمُسْتَقَادُ مِنْهُ، وَعَرِجَ الْمُسْتَقِيدُ، فَقَالَ: عَرِجْتُ وَبَرَأَ صَاحِبِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلَمْ آمُرْكَ أَنْ لَا تَسْتَقِيدَ حَتَّى تَبْرَأَ جِرَاحُكَ فَعَصَيْتَنِي، فَأَبْعَدَكَ اللَّهُ وَبَطَلَ عَرَجُكَ "، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ بِهِ جُرْحٌ بَعْدَ الرَّجُلِ الَّذِي عَرِجَ أَنْ لَا يُسْتَقَادَ مِنْهُ حَتَّى يَبْرَأَ جُرْحُ صَاحِبِهِ» . فَالْجِرَاحُ عَلَى مَا بَلَغَ حَتَّى يَبْرَأَ، فَمَا كَانَ مِنْ عَرَجٍ أَوْ شَلَلٍ، فَلَا قَوَدَ فِيهِ، وَهُوَ عَقْلٌ، وَمَنِ اسْتَقَادَ جُرْحًا فَأُصِيبَ الْمُسْتَقَادُ مِنْهُ، فَعَقَلَ مَا فَضَلَ مِنْ دِيَتِهِ عَلَى جُرْحِ صَاحِبِهِ لَهُ.
قُلْتُ: الْحَدِيثُ فِي " مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ " مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ مُتَّصِلٌ، أَنَّ «رَجُلًا طُعِنَ بِقَرْنٍ فِي رُكْبَتِهِ، فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَقِدْنِي. فَقَالَ: " حَتَّى تَبْرَأَ "، فَقَالَ: أَقِدْنِي. فَأَقَادَهُ، ثُمَّ جَاءَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute