رَسُولَ اللَّهِ! عَرِجْتُ، فَقَالَ: " قَدْ نَهَيْتُكَ فَعَصَيْتَنِي، فَأَبْعَدَكَ اللَّهُ وَبَطَّلَ عَرْجَتَكَ "، ثُمَّ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْ جُرْحٍ حَتَّى يَبْرَأَ صَاحِبُهُ» .
وَفِي سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ: عَنْ جابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، «أَنَّ رَجُلًا جُرِحَ، فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَقِيدَ، فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسْتَقَادَ مِنَ الْجَارِحِ حَتَّى يَبْرَأَ الْمَجْرُوحُ» .
وَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْحُكُومَةُ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاقْتِصَاصُ مِنَ الْجُرْحِ حَتَّى يَسْتَقِرَّ أَمْرُهُ، إِمَّا بِانْدِمَالٍ، أَوْ بِسِرَايَةٍ مُسْتَقِرَّةٍ، وَأَنَّ سِرَايَةَ الْجِنَايَةِ مَضْمُونَةٌ بِالْقَوَدِ وَجَوَازِ الْقِصَاصِ فِي الضَّرْبَةِ بِالْعَصَا وَالْقَرْنِ وَنَحْوِهِمَا، وَلَا نَاسِخَ لِهَذِهِ الْحُكُومَةِ، وَلَا مُعَارِضَ لَهَا، وَالَّذِي نَسَخَ بِهَا تَعْجِيلَ الْقِصَاصِ قَبْلَ الِانْدِمَالِ لَا نَفْسَ الْقِصَاصِ فَتَأَمَّلْهُ، وَأَنَّ الْمَجْنِيَ عَلَيْهِ إِذَا بَادَرَ وَاقْتَصَّ مِنَ الْجَانِي، ثُمَّ سَرَتِ الْجِنَايَةُ إِلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ، أَوْ إِلَى نَفْسِهِ بَعْدَ الْقِصَاصِ، فَالسِّرَايَةُ هَدَرٌ.
وَأَنَّهُ يُكْتَفَى بِالْقِصَاصِ وَحْدَهُ دُونَ تَعْزِيرِ الْجَانِي وَحَبْسِهِ، قَالَ عطاء: الْجُرُوحُ قِصَاصٌ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَضْرِبَهُ وَلَا يَسْجُنَهُ، إِنَّمَا هُوَ الْقِصَاصُ، وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا، وَلَوْ شَاءَ لَأَمَرَ بِالضَّرْبِ وَالسَّجْنِ. وَقَالَ مالك: يُقْتَصُّ مِنْهُ بِحَقِّ الْآدَمِيِّ، وَيُعَاقَبُ لِجُرْأَتِهِ.
وَالْجُمْهُورُ يَقُولُونَ: الْقِصَاصُ يُغْنِي عَنِ الْعُقُوبَةِ الزَّائِدَةِ، فَهُوَ كَالْحَدِّ إِذَا أُقِيمَ عَلَى الْمَحْدُودِ، لَمْ يَحْتَجْ مَعَهُ إِلَى عُقُوبَةٍ أُخْرَى.
وَالْمَعَاصِي ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: نَوْعٌ عَلَيْهِ حَدٌّ مُقَدَّرٌ، فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute