إِلَى ذَلِكَ عِلَاجًا لِهَذِهِ الشَّهْوَةِ وَتَخْفِيفًا عَنْ هَذَا الْخَلْقِ الضَّعِيفِ وَرَحْمَةً بِهِ.
[فَصْلٌ مِنْ عِلَاجِهِ إِشْعَارُ النَّفْسِ الْيَأْسَ مِنْهُ إِنْ كَانَ الْوِصَالُ مُتَعَذِّرًا قَدَرًا وَشَرْعًا]
فَصْلٌ
وَإِنْ كَانَ لَا سَبِيلَ لِلْعَاشِقِ إِلَى وِصَالِ مَعْشُوقِهِ قَدَرًا أَوْ شَرْعًا، أَوْ هُوَ مُمْتَنِعٌ عَلْيِهِ مِنَ الْجِهَتَيْنِ، وَهُوَ الدَّاءُ الْعُضَالُ، فَمِنْ عِلَاجِهِ إِشْعَارُ نَفْسِهِ الْيَأْسَ مِنْهُ، فَإِنَّ النَّفْسَ مَتَى يَئِسَتْ مِنَ الشَّيْءِ، اسْتَرَاحَتْ مِنْهُ، وَلَمْ تَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَزَلْ مَرَضُ الْعِشْقِ مَعَ الْيَأْسِ، فَقَدِ انْحَرَفَ الطَّبْعُ انْحِرَافًا شَدِيدًا، فَيَنْتَقِلُ إِلَى عِلَاجٍ آخَرَ، وَهُوَ عِلَاجُ عَقْلِهِ بِأَنْ يُعْلَمَ بِأَنَّ تَعَلُّقَ الْقَلْبِ بِمَا لَا مَطْمَعَ فِي حُصُولِهِ نَوْعٌ مِنَ الْجُنُونِ، وَصَاحِبُهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَعْشَقُ الشَّمْسَ، وَرُوحُهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالصُّعُودِ إِلَيْهَا وَالدَّوَرَانِ مَعَهَا فِي فَلَكِهَا، وَهَذَا مَعْدُودٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُقَلَاءِ فِي زُمْرَةِ الْمَجَانِينِ.
[إِنْ كَانَ الْوِصَالُ مُتَعَذِّرًا شَرْعًا فَعِلَاجُهُ إِنْزَالُهُ مَنْزِلَةَ الْمُتَعَذِّرِ قَدَرًا وَذِكْرُ عِلَاجَاتٍ أُخْرَى]
وَإِنْ كَانَ الْوِصَالُ مُتَعَذِّرًا شَرْعًا لَا قَدَرًا، فَعِلَاجُهُ بِأَنْ يُنْزِلَهُ مَنْزِلَةَ الْمُتَعَذِّرِ قَدَرًا، إِذْ مَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ اللَّهُ، فَعِلَاجُ الْعَبْدِ وَنَجَاتُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى اجْتِنَابِهِ، فَلْيُشْعِرْ نَفْسَهُ أَنَّهُ مَعْدُومٌ مُمْتَنِعٌ لَا سَبِيلَ لَهُ إِلَيْهِ، وَأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْمُحَالَاتِ، فَإِنْ لَمْ تُجِبْهُ النَّفْسُ الْأَمَّارَةُ، فَلْيَتْرُكْهُ لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا خَشْيَةً، وَإِمَّا فَوَاتَ مَحْبُوبٍ هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِ، وَأَنْفَعُ لَهُ، وَخَيْرٌ لَهُ مِنْهُ، وَأَدْوَمُ لَذَّةً وَسُرُورًا، فَإِنَّ الْعَاقِلَ مَتَى وَازَنَ بَيْنَ نَيْلِ مَحْبُوبٍ سَرِيعِ الزَّوَالِ بِفَوَاتِ مَحْبُوبٍ أَعْظَمَ مِنْهُ، وَأَدْوَمَ، وَأَنْفَعَ وَأَلَذَّ، أَوْ بِالْعَكْسِ، ظَهَرَ لَهُ التَّفَاوُتُ، فَلَا تَبِعْ لَذَّةَ الْأَبَدِ الَّتِي لَا خَطَرَ لَهَا بِلَذَّةِ سَاعَةٍ تَنْقَلِبُ آلَامًا، وَحَقِيقَتُهَا أَنَّهَا أَحْلَامُ نَائِمٍ، أَوْ خَيَالٌ لَا ثَبَاتَ لَهُ، فَتَذْهَبُ اللَّذَّةُ، وَتَبْقَى التَّبِعَةُ، وَتَزُولُ الشَّهْوَةُ، وَتَبْقَى الشِّقْوَةُ.
الثَّانِي: حُصُولُ مَكْرُوهٍ أَشَقُّ عَلْيِهِ مِنْ فَوَاتِ هَذَا الْمَحْبُوبِ، بَلْ يَجْتَمِعُ لَهُ الْأَمْرَانِ، أَعْنِي: فَوَاتَ مَا هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ هَذَا الْمَحْبُوبِ، وَحُصُولَ مَا هُوَ أَكْرَهُ إِلَيْهِ مِنْ فَوَاتِ هَذَا الْمَحْبُوبِ، فَإِذَا تَيَقَّنَ أَنَّ فِي إِعْطَاءِ النَّفْسِ حَظَّهَا مِنْ هَذَا الْمَحْبُوبِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ، هَانَ عَلَيْهِ تَرْكُهُ، وَرَأَى أَنَّ صَبْرَهُ عَلَى فَوْتِهِ أَسْهَلُ مِنْ صَبْرِهِ عَلَيْهِمَا بِكَثِيرٍ، فَعَقْلُهُ وَدِينُهُ، وَمُرُوءَتُهُ وَإِنْسَانِيَّتُهُ، تَأْمُرُهُ بِاحْتِمَالِ الضَّرَرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute