للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثَقِيفٍ، وَذَلِكَ أَنِّي كُنْتُ قَرَأْتُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ الْقُرْآنَ يَتَفَلَّتُ مِنِّي، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِي وَقَالَ: " يَا شَيْطَانُ اخْرُجْ مِنْ صَدْرِ عثمان " فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا بَعْدَهُ أُرِيدُ حِفْظَهُ) » .

وَفِي " صَحِيحِ مسلم " « (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي، قَالَ: " ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ: خَنْزَبٌ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ، فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ، وَاتْفِلْ عَنْ يَسَارِكَ ثَلَاثًا) ، فَفَعَلْتُ، فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي» .

[فصل ما في قصة قدوم وفد ثقيف من الأحكام]

فَصْلٌ

وَفِي قِصَّةِ هَذَا الْوَفْدِ مِنَ الْفِقْهِ، أَنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ إِذَا غَدَرَ بِقَوْمِهِ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ، ثُمَّ قَدِمَ مُسْلِمًا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْإِمَامُ، وَلَا لِمَا أَخَذَهُ مِنَ الْمَالِ، وَلَا يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَهُ قَبْلَ مَجِيئِهِ مِنْ نَفْسٍ وَلَا مَالٍ، كَمَا لَمْ يَتَعَرَّضِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا أَخَذَهُ المغيرة مِنْ أَمْوَالِ الثَّقَفِيِّينَ، وَلَا ضَمِنَ مَا أَتْلَفَهُ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: ( «أَمَّا الْإِسْلَامُ فَأَقْبَلُ، وَأَمَّا الْمَالُ فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ» ) .

وَمِنْهَا: جَوَازُ إِنْزَالِ الْمُشْرِكِ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ يَرْجُو إِسْلَامَهُ، وَتَمْكِينَهُ مِنْ سَمَاعِ الْقُرْآنِ، وَمُشَاهَدَةَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَعِبَادَتِهِمْ.

وَمِنْهَا: حُسْنُ سِيَاسَةِ الْوَفْدِ، وَتَلَطُّفُهُمْ حَتَّى تَمَكَّنُوا مِنْ إِبْلَاغِ ثَقِيفٍ مَا قَدِمُوا بِهِ فَتَصَوَّرُوا لَهُمْ بِصُورَةِ الْمُنْكِرِ لِمَا يَكْرَهُونَهُ، الْمُوَافِقِ لَهُمْ فِيمَا يَهْوَوْنَهُ، حَتَّى رَكَنُوا إِلَيْهِمْ وَاطْمَأَنُّوا، فَلَمَّا عَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ بُدٌّ مِنَ الدُّخُولِ فِي دَعْوَةِ الْإِسْلَامِ أَذْعَنُوا، فَأَعْلَمَهُمُ الْوَفْدُ أَنَّهُمْ بِذَلِكَ قَدْ جَاءُوهُمْ، وَلَوْ فَاجَئُوهُمْ بِهِ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ لَمَا أَقَرُّوا بِهِ، وَلَا أَذْعَنُوا، وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>