يُجَاوِرُهُ وَلَا يُوَالِيهِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِي السُّنَنِ ( «لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا» ) يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ.
وَقَوْلُهُ ( «حَيْثُمَا مَرَرْتَ بِقَبْرِ كَافِرٍ فَقُلْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ مُحَمَّدٌ» ) هَذَا إِرْسَالُ تَقْرِيعٍ وَتَوْبِيخٍ لَا تَبْلِيغِ أَمْرٍ وَنَهْيٍ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى سَمَاعِ أَصْحَابِ أَهْلِ الْقُبُورِ كَلَامَ الْأَحْيَاءِ وَخِطَابَهُمْ لَهُمْ، وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا فَهُوَ فِي النَّارِ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْبِعْثَةِ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا قَدْ غَيَّرُوا الْحَنِيفِيَّةَ دِينَ إِبْرَاهِيمَ وَاسْتَبْدَلُوا بِهَا الشِّرْكَ وَارْتَكَبُوهُ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ حُجَّةٌ مِنَ اللَّهِ بِهِ، وَقُبْحُهُ وَالْوَعِيدُ عَلَيْهِ بِالنَّارِ لَمْ يَزَلْ مَعْلُومًا مِنْ دِينِ الرُّسُلِ كُلِّهِمْ مِنْ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ، وَأَخْبَارُ عُقُوبَاتِ اللَّهِ لِأَهْلِهِ مُتَدَاوَلَةٌ بَيْنَ الْأُمَمِ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ، فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا مَا فَطَرَ عِبَادَهُ عَلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ رُبُوبِيَّتِهِ الْمُسْتَلْزِمِ لِتَوْحِيدِ إِلَهِيَّتِهِ، وَأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ فِي كُلِّ فِطْرَةٍ وَعَقْلٍ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ إِلَهٌ آخَرُ، وَإِنْ كَانَ سُبْحَانَهُ لَا يُعَذِّبُ بِمُقْتَضَى هَذِهِ الْفِطْرَةِ وَحْدَهَا، فَلَمْ تَزَلْ دَعْوَةُ الرُّسُلِ إِلَى التَّوْحِيدِ فِي الْأَرْضِ مَعْلُومَةً لِأَهْلِهَا، فَالْمُشْرِكُ يَسْتَحِقُّ الْعَذَابَ بِمُخَالَفَتِهِ دَعْوَةَ الرُّسُلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ فِي قُدُومِ وَفْدِ النَّخْعِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]
«وَقَدِمَ عَلَيْهِ وَفْدُ النَّخْعِ وَهُمْ آخِرُ الْوُفُودِ قُدُومًا عَلَيْهِ فِي نِصْفِ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ فِي مِائَتَيْ رَجُلٍ فَنَزَلُوا دَارَ الْأَضْيَافِ، ثُمَّ جَاءُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقِرِّينَ بِالْإِسْلَامِ، وَقَدْ كَانُوا بَايَعُوا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، يُقَالُ لَهُ زرارة بن عمرو: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَأَيْتُ فِي سَفَرِي هَذَا عَجَبًا قَالَ: " وَمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute