عَلَى تَحْرِيمِ الرَّضَاعِ إِلَّا مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ، وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَى التَّحْرِيمِ بِهِ مِنْ جِهَةِ الصِّهْرِ الْبَتَّةَ، لَا بِنَصٍّ وَلَا إِيمَاءٍ وَلَا إِشَارَةٍ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَنْ يَحْرُمَ بِهِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، وَفِي ذَلِكَ إِرْشَادٌ وَإِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ بِهِ مَا يَحْرُمُ بِالصِّهْرِ، وَلَوْلَا أَنَّهُ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى ذَلِكَ لَقَالَ: " حَرِّمُوا مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ وَالصِّهْرِ ".
قَالُوا: وَأَيْضًا فَالرَّضَاعَ مُشَبَّهٌ بِالنَّسَبِ، وَلِهَذَا أَخَذَ مِنْهُ بَعْضَ أَحْكَامِهِ وَهُوَ الْحُرْمَةُ وَالْمَحْرَمِيَّةُ فَقَطْ دُونَ التَّوَارُثِ، وَالْإِنْفَاقِ وَسَائِرِ أَحْكَامِ النَّسَبِ فَهُوَ نَسَبٌ ضَعِيفٌ، فَأَخَذَ بِحَسَبِ ضَعْفِهِ بَعْضَ أَحْكَامِ النَّسَبِ، وَلَمْ يَقْوَ عَلَى سَائِرِ أَحْكَامِ النَّسَبِ، وَهُوَ أَلْصَقُ بِهِ مِنَ الْمُصَاهَرَةِ فَكَيْفَ يَقْوَى عَلَى أَخْذِ أَحْكَامِ الْمُصَاهَرَةِ مَعَ قُصُورِهِ عَنْ أَحْكَامٍ مُشْبِهَةٍ وَشَقِيقَةٍ؟! .
وَأَمَّا الْمُصَاهَرَةُ وَالرَّضَاعُ فَإِنَّهُ لَا نَسَبَ بَيْنَهُمَا وَلَا شُبْهَةَ نَسَبٍ وَلَا بَعْضِيَّةَ وَلَا اتِّصَالَ. قَالُوا: وَلَوْ كَانَ تَحْرِيمُ الصِّهْرِيَّةِ ثَابِتًا لَبَيَّنَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بَيَانًا شَافِيًا يُقِيمُ الْحُجَّةَ وَيَقْطَعُ الْعُذْرَ، فَمِنَ اللَّهِ الْبَيَانُ، وَعَلَى رَسُولِهِ الْبَلَاغُ، وَعَلَيْنَا التَّسْلِيمُ وَالِانْقِيَادُ، فَهَذَا مُنْتَهَى النَّظَرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَمَنْ ظَفِرَ فِيهَا بِحُجَّةٍ فَلْيُرْشِدْ إِلَيْهَا وَلْيُدِلَّ عَلَيْهَا، فَإِنَّا لَهَا مُنْقَادُونَ، وَبِهَا مُعْتَصِمُونَ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.
[فَصْلٌ تَحْرِيمُ نِكَاحِ مَنْ نَكَحَهُنَّ الْآبَاءُ]
فَصْلٌ
وَحَرَّمَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نِكَاحَ مَنْ نَكَحَهُنَّ الْآبَاءُ، وَهَذَا يَتَنَاوَلُ مَنْكُوحَاتِهِمْ بِمِلْكِ الْيَمِينِ أَوْ عَقْدِ نِكَاحٍ، وَيَتَنَاوَلُ آبَاءَ الْآبَاءِ وَآبَاءَ الْأُمَّهَاتِ وَإِنْ عَلَوْنَ، وَالِاسْتِثْنَاءُ بِقَوْلِهِ: {إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: ٢٢] مِنْ مَضْمُونِ جُمْلَةِ النَّهْيِ، وَهُوَ التَّحْرِيمُ الْمُسْتَلْزِمُ لِلتَّأْثِيمِ وَالْعُقُوبَةِ، فَاسْتَثْنَى مِنْهُ مَا سَلَفَ قَبْلَ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ بِالرَّسُولِ وَالْكِتَابِ.
[فَصْلٌ تَحْرِيمُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَالِاخْتِلَافُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ]
وَحَرَّمَ سُبْحَانَهُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي عَقْدِ النِّكَاحِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ كَسَائِرِ مُحَرَّمَاتِ الْآيَةِ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute