بَعْدَهُمْ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَتَوَقَّفَتْ طَائِفَةٌ فِي تَحْرِيمِهِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِمُعَارَضَةِ هَذَا الْعُمُومِ بِعُمُومِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ - إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: ٥ - ٦] [الْمُؤْمِنُونَ: ٥، ٦] وَ [الْمَعَارِجِ ٢٩ - ٣٠] وَلِهَذَا قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ( «أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ، وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ» ) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: لَا أَقُولُ هُوَ حَرَامٌ، وَلَكِنْ نَنْهَى عَنْهُ، فَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ جَعَلَ الْقَوْلَ بِإِبَاحَتِهِ رِوَايَةً عَنْهُ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يُبِحْهُ، وَلَكِنْ تَأَدَّبَ مَعَ الصَّحَابَةِ أَنْ يُطْلِقَ لَفْظَ الْحَرَامِ عَلَى أَمْرٍ تَوَقَّفَ فِيهِ عثمان بَلْ قَالَ نَنْهَى عَنْهُ. وَالَّذِينَ جَزَمُوا بِتَحْرِيمِهِ رَجَّحُوا آيَةَ التَّحْرِيمِ مِنْ وُجُوهٍ.
أَحَدُهَا: أَنَّ سَائِرَ مَا ذُكِرَ فِيهَا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ عَامٌّ فِي النِّكَاحِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ، فَمَا بَالُ هَذَا وَحْدَهُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَتْ آيَةُ الْإِبَاحَةِ مُقْتَضِيَةً لِحِلِّ الْجَمْعِ بِالْمِلْكِ، فَلْتَكُنْ مُقْتَضِيَةً لِحِلِّ أُمِّ مَوْطُوءَتِهِ بِالْمِلْكِ وَلِمَوْطُوءَةِ أَبِيهِ وَابْنِهِ بِالْمِلْكِ، إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا الْبَتَّةَ وَلَا يَعْلَمُ بِهَذَا قَائِلٌ.
الثَّانِي: أَنَّ آيَةَ الْإِبَاحَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ مَخْصُوصَةٌ قَطْعًا بِصُوَرٍ عَدِيدَةٍ لَا يَخْتَلِفُ فِيهَا اثْنَانِ، كَأُمِّهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ وَعَمَّتِهِ وَخَالَتِهِ مِنَ الرَّضَاعَةِ، بَلْ كَأُخْتِهِ وَعَمَّتِهِ مِنَ النَّسَبِ عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى عِتْقَهُنَّ بِالْمِلْكِ كمالك وَالشَّافِعِيِّ، وَلَمْ يَكُنْ عُمُومُ قَوْلِهِ: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٣] مُعَارِضًا لِعُمُومِ تَحْرِيمِهِنَّ بِالْعَقْدِ وَالْمِلْكِ، فَهَذَا حُكْمُ الْأُخْتَيْنِ سَوَاءٌ.
الثَّالِثُ: أَنَّ حِلَّ الْمِلْكِ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ بَيَانِ جِهَةِ الْحِلِّ وَسَبَبِهِ، وَلَا تَعَرُّضَ فِيهِ لِشُرُوطِ الْحِلِّ وَلَا لِمَوَانِعِهِ، وَآيَةُ التَّحْرِيمِ فِيهَا بَيَانُ مَوَانِعِ الْحِلِّ مِنَ النَّسَبِ وَالرَّضَاعِ وَالصِّهْرِ وَغَيْرِهِ، فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا الْبَتَّةَ، وَإِلَّا كَانَ كُلُّ مَوْضِعٍ ذُكِرَ فِيهِ شَرْطُ الْحِلِّ وَمَوَانِعِهِ مُعَارِضًا لِمُقْتَضَى الْحِلِّ، وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا بَلْ هُوَ بَيَانٌ لِمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute