للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ، وَلَا حُجَّةَ فِيهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا بَيَانُ أَنَّ التَّأْخِيرَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَنْ عَمْدٍ، بَلْ لَعَلَّهُ كَانَ نِسْيَانًا، وَفِي الْقِصَّةِ مَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ، فَإِنَّ عمر لَمَّا قَالَ لَهُ: ( «يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا) ثُمَّ قَامَ فَصَلَّاهَا» .

وَهَذَا مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ نَاسِيًا بِمَا هُوَ فِيهِ مِنَ الشُّغُلِ، وَالِاهْتِمَامِ بِأَمْرِ الْعَدُوِّ الْمُحِيطِ بِهِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَدْ أَخَّرَهَا بِعُذْرِ النِّسْيَانِ، كَمَا أَخَّرَهَا بِعُذْرِ النَّوْمِ فِي سَفَرِهِ، وَصَلَّاهَا بَعْدَ اسْتِيقَاظِهِ، وَبَعْدَ ذِكْرِهِ لِتَتَأَسَّى أُمَّتُهُ بِهِ.

وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّ هَذَا عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ إِنَّمَا هُوَ فِي حَالِ الْخَوْفِ وَالْمُسَايَفَةِ عِنْدَ الدَّهْشِ عَنْ تَعَقُّلِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ، وَالْإِتْيَانِ بِهَا، وَالصَّحَابَةُ فِي مَسِيرِهِمْ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، لَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ، بَلْ كَانَ حُكْمُهُمْ حُكْمَ أَسْفَارِهِمْ إِلَى الْعَدُوِّ قَبْلَ ذَلِكَ وَبَعْدَهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا، وَلَمْ تَكُنْ قُرَيْظَةُ مِمَّنْ يُخَافُ فَوْتُهُمْ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا مُقِيمِينَ بِدَارِهِمْ، فَهَذَا مُنْتَهَى أَقْدَامِ الْفَرِيقَيْنِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.

[فصل في حصار بني قريظة وتخييرهم بين ثلاث خصال]

فَصْلٌ.

وَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّايَةَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، ( «وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ» ) وَنَازَلَ حُصُونَ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَحَصَرَهُمْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، وَلَمَّا اشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْحِصَارُ، عَرَضَ عَلَيْهِمْ رَئِيسُهُمْ كعب بن أسد ثَلَاثَ خِصَالٍ: إِمَّا أَنْ يُسْلِمُوا وَيَدْخُلُوا مَعَ مُحَمَّدٍ فِي دِينِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَقْتُلُوا ذَرَارِيَّهُمْ، وَيَخْرُجُوا إِلَيْهِ بِالسُّيُوفِ مُصْلَتَةً يُنَاجِزُونَهُ حَتَّى يَظْفَرُوا بِهِ، أَوْ يُقَتَّلُوا عَنْ آخِرِهِمْ، وَإِمَّا أَنْ يَهْجُمُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>