بِالْأَحِبَّةِ مِنَ الْيَهُودِ، فَهَذَا كُلُّهُ فِي يَهُودِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ غَزْوَةُ كُلِّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ عَقِبَ كُلِّ غَزْوَةٍ مِنَ الْغَزَوَاتِ الْكِبَارِ.
فَغَزْوَةُ بَنِي قَيْنُقَاعَ عَقِبَ بَدْرٍ، وَغَزْوَةُ بَنِي النَّضِيرِ عَقِبَ غَزْوَةِ أُحُدٍ، وَغَزْوَةُ بَنِي قُرَيْظَةَ عَقِبَ الْخَنْدَقِ.
وَأَمَّا يَهُودُ خَيْبَرَ، فَسَيَأْتِي ذِكْرُ قِصَّتِهِمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
[فصل في حُكْمُ مَنْ نَقَضَ الْعَهْدَ وَأَقَرَّ بِهِ الْبَاقُونَ]
فَصْلٌ
وَكَانَ هَدْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ إِذَا صَالَحَ قَوْمًا فَنَقَضَ بَعْضُهُمْ عَهْدَهُ، وَصُلْحَهُ، وَأَقَرَّهُمُ الْبَاقُونَ، وَرَضُوا بِهِ، غَزَا الْجَمِيعَ، وَجَعَلَهُمْ كُلَّهُمْ نَاقِضِينَ، كَمَا فَعَلَ بِقُرَيْظَةَ، وَالنَّضِيرِ، وَبَنِي قَيْنُقَاعَ، وَكَمَا فَعَلَ فِي أَهْلِ مَكَّةَ، فَهَذِهِ سُنَّتُهُ فِي أَهْلِ الْعَهْدِ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ الْحُكْمُ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِ أحمد وَغَيْرِهِمْ، وَخَالَفَهُمْ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ، فَخَصُّوا نَقْضَ الْعَهْدِ بِمَنْ نَقَضَهُ خَاصَّةً دُونَ مَنْ رَضِيَ بِهِ وَأَقَرَّ عَلَيْهِ، وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ أَقْوَى وَآكَدُ، وَلِهَذَا كَانَ مَوْضُوعًا عَلَى التَّأْبِيدِ، بِخِلَافِ عَقْدِ الْهُدْنَةِ وَالصُّلْحِ.
وَالْأَوَّلُونَ يَقُولُونَ: لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَعَقْدُ الذِّمَّةِ لَمْ يُوضَعْ لِلتَّأْبِيدِ، بَلْ بِشَرْطِ اسْتِمْرَارِهِمْ وَدَوَامِهِمْ عَلَى الْتِزَامِ مَا فِيهِ، فَهُوَ كَعَقْدِ الصُّلْحِ الَّذِي وُضِعَ لِلْهُدْنَةِ بِشَرْطِ الْتِزَامِهِمْ أَحْكَامَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، قَالُوا: وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوَقِّتْ عَقْدَ الصُّلْحِ وَالْهُدْنَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْيَهُودِ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ، بَلْ أَطْلَقَهُ مَا دَامُوا كَافِّينَ عَنْهُ، غَيْرَ مُحَارِبِينَ لَهُ، فَكَانَتْ تِلْكَ ذِمَّتُهُمْ، غَيْرَ أَنَّ الْجِزْيَةَ لَمْ يَكُنْ نَزَلَ فَرْضُهَا بَعْدُ، فَلَمَّا نَزَلَ فَرْضُهَا، ازْدَادَ ذَلِكَ إِلَى الشُّرُوطِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي الْعَقْدِ، وَلَمْ يُغَيَّرْ حُكْمُهُ وَصَارَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute