وَكَانَ هَدْيُهُ أَيْضًا أَلَّا يَحْبِسَ الرَّسُولَ عِنْدَهُ إِذَا اخْتَارَ دِينَهُ فَلَا يَمْنَعْهُ مِنَ اللِّحَاقِ بِقَوْمِهِ بَلْ يَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ كَمَا قَالَ: أبو رافع بَعَثَتْنِي قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أَتَيْتُهُ، وَقَعَ فِي قَلْبِي الْإِسْلَامُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَا أَرْجِعُ إِلَيْهِمْ. فَقَالَ: ( «إِنِّي لَا أَخِيسُ بِالْعَهْدِ، وَلَا أَحْبِسُ الْبُرُدَ، ارْجِعْ إِلَيْهِمْ، فَإِنْ كَانَ فِي قَلْبِكَ الَّذِي فِيهِ الْآنَ، فَارْجِعْ» ) .
قَالَ أبو داود: وَكَانَ هَذَا فِي الْمُدَّةِ الَّتِي شَرَطَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا، وَأَمَّا الْيَوْمَ، فَلَا يَصْلُحُ هَذَا. انْتَهَى.
وَفِي قَوْلِهِ: ( «لَا أَحْبِسُ الْبُرُدَ» ) إِشْعَارٌ بِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ يَخْتَصُّ بِالرُّسُلِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا رَدُّهُ لِمَنْ جَاءَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا، فَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ الشَّرْطِ، كَمَا قَالَ أبو داود، وَأَمَّا الرُّسُلُ، فَلَهُمْ حُكْمٌ آخَرُ، أَلَا تَرَاهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِرَسُولَيْ مسيلمة وَقَدْ قَالَا لَهُ فِي وَجْهِهِ: نَشْهَدُ أَنَّ مسيلمة رَسُولُ اللَّهِ.
وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ، أَنَّ أَعْدَاءَهُ إِذَا عَاهَدُوا وَاحِدًا مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَى عَهْدٍ لَا يَضُرُّ بِالْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ، أَمْضَاهُ لَهُمْ، كَمَا عَاهَدُوا حذيفة وَأَبَاهُ الحسيل أَنْ لَا يُقَاتِلَاهُمْ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمْضَى لَهُمْ ذَلِكَ وَقَالَ لَهُمَا: ( «انْصَرِفَا نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَنَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ» ) .
[فصل في صُلْحُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ قُرَيْشٍ]
فَصْلٌ
وَصَالَحَ قُرَيْشًا عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَشْرَ سِنِينَ، عَلَى أَنَّ مَنْ جَاءَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute