للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْهُمْ مُسْلِمًا رَدَّهُ إِلَيْهِمْ، وَمَنْ جَاءَهُمْ مِنْ عِنْدِهِ لَا يَرُدُّونَهُ إِلَيْهِ، وَكَانَ اللَّفْظُ عَامًّا فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَنَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي حَقِّ النِّسَاءِ، وَأَبْقَاهُ فِي حَقِّ الرِّجَالِ، وَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ وَالْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَمْتَحِنُوا مَنْ جَاءَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ، فَإِنْ عَلِمُوهَا مُؤْمِنَةً لَمْ يَرُدُّوهَا إِلَى الْكُفَّارِ، وَأَمَرَهُمْ بِرَدِّ مَهْرِهَا إِلَيْهِمْ لِمَا فَاتَ عَلَى زَوْجِهَا مِنْ مَنْفَعَةِ بُضْعِهَا، وَأَمَرَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَرُدُّوا عَلَى مَنِ ارْتَدَّتِ امْرَأَتُهُ إِلَيْهِمْ مَهْرَهَا إِذَا عَاقَبُوا، بِأَنْ يَجِبَ عَلَيْهِمْ رَدُّ مَهْرِ الْمُهَاجِرَةِ، فَيَرُدُّونَهُ إِلَى مَنِ ارْتَدَّتِ امْرَأَتُهُ، وَلَا يَرُدُّونَهَا إِلَى زَوْجِهَا الْمُشْرِكِ، فَهَذَا هُوَ الْعِقَابُ، وَلَيْسَ مِنَ الْعَذَابِ فِي شَيْءٍ، وَكَانَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ خُرُوجَ الْبُضْعِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ مُتَقَوَّمٌ، وَأَنَّهُ مُتَقَوَّمٌ بِالْمُسَمَّى الَّذِي هُوَ مَا أَنْفَقَ الزَّوْجُ لَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَأَنَّ أَنْكِحَةَ الْكُفَّارِ لَهَا حُكْمُ الصِّحَّةِ، لَا يُحْكَمُ عَلَيْهَا بِالْبُطْلَانِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ رَدُّ الْمُسْلِمَةِ الْمُهَاجِرَةِ إِلَى الْكُفَّارِ وَلَوْ شُرِطَ ذَلِكَ، وَأَنَّ الْمُسْلِمَةَ لَا يَحِلُّ لَهَا نِكَاحُ الْكَافِرِ، وَأَنَّ الْمُسْلِمَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ الْمُهَاجِرَةَ إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَآتَاهَا مَهْرَهَا، وَفِي هَذَا أَبْيَنُ دَلَالَةٍ عَلَى خُرُوجِ بُضْعِهَا مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ، وَانْفِسَاخِ نِكَاحِهَا مِنْهُ بِالْهِجْرَةِ وَالْإِسْلَامِ.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُشْرِكَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ، كَمَا حُرِّمَ نِكَاحُ الْمُسْلِمَةِ عَلَى الْكَافِرِ.

وَهَذِهِ أَحْكَامٌ اسْتُفِيدَتْ مِنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ، وَبَعْضُهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَبَعْضُهَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَلَيْسَ مَعَ مَنِ ادَّعَى نَسْخَهَا حُجَّةٌ الْبَتَّةَ فَإِنَّ الشَّرْطَ الَّذِي وَقَعَ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْكُفَّارِ فِي رَدِّ مَنْ جَاءَهُ مُسْلِمًا إِلَيْهِمْ، إِنْ كَانَ مُخْتَصًّا بِالرِّجَالِ، لَمْ تَدْخُلِ النِّسَاءُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ عَامًّا لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَصَّصَ مِنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>