لِنَفْسِهِ شَيْئًا، فَإِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لَهُ، وَلَكِنْ جَرَى إِعْطَاءُ الدِّيَةِ مِنْهَا مَجْرَى إِعْطَاءِ الْغَارِمِ مِنْهَا لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ بِقَوْلِهِ " «فَجَعَلَ عَقْلَهُ عَلَى الْيَهُودِ» "؟ فَيُقَالُ: هَذَا مُجْمَلٌ لَمْ يَحْفَظْ رَاوِيهِ كَيْفِيَّةَ جَعْلِهِ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا كَتَبَ إِلَيْهِمْ أَنْ يَدُوا الْقَتِيلَ، أَوْ يَأْذَنُوا بِحَرْبٍ، كَانَ هَذَا كَالْإِلْزَامِ لَهُمْ بِالدِّيَةِ، وَلَكِنَّ الَّذِي حَفِظُوا أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا أَنْ يَكُونُوا قَتَلُوا، وَحَلَفُوا عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَاهُ مِنْ عِنْدِهِ، حَفِظُوا زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ، فَهُمْ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ بِرِوَايَةِ النَّسَائِيِّ: " «أَنَّهُ قَسَّمَهَا عَلَى الْيَهُودِ، وَأَعَانَهُمْ بِبَعْضِهَا» "؟ قِيلَ: هَذَا لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ قَطْعًا، فَإِنَّ الدِّيَةَ لَا تُلْزِمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ، أَوْ أَيْمَانِ الْمُدَّعِينَ، وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ عَرَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْمَانَ الْقَسَامَةِ عَلَى الْمُدَّعِينَ، فَأَبَوْا أَنْ يَحْلِفُوا، فَكَيْفَ يُلْزِمُ الْيَهُودَ بِالدِّيَةِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى.
[فَصْلٌ فِي حُكْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَرْبَعَةٍ سَقَطُوا فِي بِئْرٍ فَتَعَلَّقَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فَهَلَكُوا]
ذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالْبَزَّارُ، وَغَيْرُهُمَا، «أَنَّ قَوْمًا احْتَفَرُوا بِئْرًا بِالْيَمَنِ، فَسَقَطَ فِيهَا رَجُلٌ، فَتَعَلَّقَ بِآخَرَ، وَالثَّانِي بِالثَّالِثِ، وَالثَّالِثُ بِالرَّابِعِ، فَسَقَطُوا جَمِيعًا، فَمَاتُوا، فَارْتَفَعَ أَوْلِيَاؤُهُمْ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: اجْمَعُوا مَنْ حَفَرَ الْبِئْرَ مِنَ النَّاسِ، وَقَضَى لِلْأَوَّلِ بِرُبْعِ الدِّيَةِ، لِأَنَّهُ هَلَكَ فَوْقَهُ ثَلَاثَةٌ، وَلِلثَّانِي بِثُلُثِهَا لِأَنَّهُ هَلَكَ فَوْقَهُ اثْنَانِ، وَلِلثَّالِثِ بِنِصْفِهَا لِأَنَّهُ هَلَكَ فَوْقَهُ وَاحِدٌ، وَلِلرَّابِعِ بِالدِّيَةِ تَامَّةً، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَامَ الْمُقْبِلَ، فَقَصُّوا عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَقَالَ: " هُوَ مَا قَضَى بَيْنَكُمْ» ، هَكَذَا سِيَاقُ البزار.
وَسِيَاقُ أحمد نَحْوُهُ، وَقَالَ: إِنَّهُمْ أَبَوْا أَنْ يَرْضَوْا بِقَضَاءِ علي، «فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عِنْدَ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَصُّوا عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَأَجَازَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute