مُفْرَدَةٍ بِشُرُوطِهَا. وَقَدْ قَالَتْ لَهُ حَفْصَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ وَكُلُّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَالَ: لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ، وَلَمْ يَنْقُلْ هَذَا أَحَدٌ عَنْهُ الْبَتَّةَ، فَهُوَ وَهْمٌ مَحْضٌ، وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمُسْتَفِيضَةُ فِي لَفْظِهِ فِي إِهْلَالِهِ تُبْطِلُ هَذَا.
[عُذْرُ مَنْ قَالَ لَبَّى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ]
فَصْلٌ
وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إِنَّهُ لَبَّى بِالْحَجِّ وَحْدَهُ وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ، فَعُذْرُهُ مَا ذَكَرْنَا عَمَّنْ قَالَ: أَفْرَدَ الْحَجَّ وَلَبَّى بِالْحَجِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ قَطُّ: إِنَّهُ قَالَ: لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ مُفْرَدَةٍ، وَإِنَّ الَّذِينَ نَقَلُوا لَفْظَهُ، صَرَّحُوا بِخِلَافِ ذَلِكَ.
[عُذْرُ مَنْ قَالَ لَبَّى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ]
وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إِنَّهُ لَبَّى بِالْحَجِّ وَحْدَهُ، ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ، وَظَنَّ أَنَّهُ بِذَلِكَ تَجْتَمِعُ الْأَحَادِيثُ، فَعُذْرُهُ أَنَّهُ رَأَى أَحَادِيثَ إِفْرَادِهِ بِالْحَجِّ صَحِيحَةً، فَحَمَلَهَا عَلَى ابْتِدَاءِ إِحْرَامِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ أَتَاهُ آتٍ مِنْ رَبِّهِ تَعَالَى فَقَالَ: قُلْ: عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ، فَأَدْخَلَ الْعُمْرَةَ حِينَئِذٍ عَلَى الْحَجِّ، فَصَارَ قَارِنًا؛ وَلِهَذَا قَالَ لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: " «إِنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ وَقَرَنْتُ» "، فَكَانَ مُفْرِدًا فِي ابْتِدَاءِ إِحْرَامِهِ، قَارِنًا فِي أَثْنَائِهِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يَقُلْ إِنَّهُ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، وَلَا لَبَّى بِالْعُمْرَةِ، وَلَا أَفْرَدَ الْعُمْرَةَ، وَلَا قَالَ: خَرَجْنَا لَا نَنْوِي إِلَّا الْعُمْرَةَ، بَلْ قَالُوا: أَهَلَّ بِالْحَجِّ، وَلَبَّى بِالْحَجِّ، وَأَفْرَدَ الْحَجَّ، وَخَرَجْنَا لَا نَنْوِي إِلَّا الْحَجَّ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِحْرَامَ وَقَعَ أَوَّلًا بِالْحَجِّ، ثُمَّ جَاءَهُ الْوَحْيُ مِنْ رَبِّهِ تَعَالَى بِالْقِرَانِ، فَلَبَّى بِهِمَا فَسَمِعَهُ أنس يُلَبِّي بِهِمَا، وَصَدَقَ وَسَمِعَتْهُ عائشة، وَابْنُ عُمَرَ، وجابر يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَحْدَهُ أَوَّلًا وَصَدَقُوا.
قَالُوا: وَبِهَذَا تَتَّفِقُ الْأَحَادِيثُ، وَيَزُولُ عَنْهَا الِاضْطِرَابُ.
وَأَرْبَابُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ لَا يُجِيزُونَ إِدْخَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ، وَيَرَوْنَهُ لَغْوًا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute