وَالصَّوَابُ: تَقْدِيمُ الْأُنْثَى مَعَ التَّسَاوِي، كَمَا قُدِّمَتِ الْأُمُّ عَلَى الْأَبِ لَمَّا اسْتَوَيَا، فَلَا وَجْهَ لِتَقْدِيمِ الذَّكَرِ عَلَى الْأُنْثَى مَعَ مُسَاوَاتِهَا لَهُ، وَامْتِيَازِهَا بِقُوَّةِ أَسْبَابِ الْحَضَانَةِ وَالتَّرْبِيَةِ فِيهَا.
وَاخْتُلِفَ فِي بَنَاتِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، هَلْ يُقَدَّمْنَ عَلَى الْخَالَاتِ وَالْعَمَّاتِ، أَوْ تُقَدَّمُ الْخَالَاتُ وَالْعَمَّاتُ عَلَيْهِنَّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، مَأْخَذُهُمَا: أَنَّ الْخَالَةَ وَالْعَمَّةَ تُدْلِيَانِ بِأُخُوَّةِ الْأُمِّ وَالْأَبِ، وَبَنَاتَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ يُدْلِينَ بِبُنُوَّةِ الْأَبِ، فَمَنْ قَدَّمَ بَنَاتِ الْإِخْوَةِ، رَاعَى قُوَّةَ الْبُنُوَّةِ عَلَى الْأُخُوَّةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِجَيِّدٍ، بَلِ الصَّوَابُ تَقْدِيمُ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ لِوَجْهَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا أَقْرَبُ إِلَى الطِّفْلِ مِنْ بَنَاتِ أَخِيهِ، فَإِنَّ الْعَمَّةَ أُخْتُ أَبِيهِ، وَابْنَةَ الْأَخِ ابْنَةُ ابْنِ أَبِيهِ، وَكَذَلِكَ الْخَالَةُ أُخْتُ أُمِّهِ، وَبِنْتُ الْأُخْتِ مِنَ الْأُمِّ، أَوْ لِأَبٍ بِنْتُ بِنْتِ أُمِّهِ أَوْ أَبِيهِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْعَمَّةَ وَالْخَالَةَ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْقَرَابَةِ.
الثَّانِي: أَنَّ صَاحِبَ هَذَا الْقَوْلِ إِنْ طَرَدَ أَصْلَهُ لَزِمَهُ مَا لَا قِبَلَ لَهُ بِهِ مِنْ تَقْدِيمِ بِنْتِ بِنْتِ الْأُخْتِ، وَإِنْ نَزَلَتْ عَلَى الْخَالَةِ الَّتِي هِيَ أُمٌّ، وَهَذَا فَاسِدٌ مِنَ الْقَوْلِ، وَإِنْ خُصَّ ذَلِكَ بِبِنْتِ الْأُخْتِ دُونَ مَنْ سَفَلَ مِنْهَا، تَنَاقَضَ.
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ أحمد أَيْضًا فِي الْجَدِّ وَالْأُخْتِ لِلْأَبِ أَيُّهُمَا أَوْلَى؟ فَالْمَذْهَبُ: أَنَّ الْجَدَّ أَوْلَى مِنْهَا، وَحَكَى الْقَاضِي فِي " الْمُجَرَّدِ " وَجْهًا: أَنَّهَا أَوْلَى مِنْهُ، وَهَذَا يَجِيءُ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَاتِ الَّتِي تَأَوَّلَ عَلَيْهَا الْأَصْحَابُ نَصَّ أحمد، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ.
[فصل بيان تناقض الضابط السابق]
فَصْلٌ وَمِمَّا يُبَيِّنُ صِحَّةَ الْأَصْلِ الْمُتَقَدِّمِ: أَنَّهُمْ قَالُوا: إِذَا عَدِمَ الْأُمَّهَاتِ وَمَنْ فِي جِهَتِهِنَّ انْتَقَلَتِ الْحَضَانَةُ إِلَى الْعَصَبَاتِ، وَقُدِّمَ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْهُمْ، كَمَا فِي الْمِيرَاثِ، فَهَذَا جَارٍ عَلَى الْقِيَاسِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلَّا رَاعَيْتُمْ هَذَا فِي جِنْسِ الْقَرَابَةِ، فَقَدَّمْتُمُ الْقَرَابَةَ الْقَوِيَّةَ الرَّاجِحَةَ عَلَى الضَّعِيفَةِ الْمَرْجُوحَةِ كَمَا فَعَلْتُمْ فِي الْعَصَبَاتِ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute