للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَيْضًا فَإِنَّ الصَّحِيحَ فِي الْأَخَوَاتِ عِنْدَكُمْ أَنَّهُ يُقَدَّمُ مِنْهُنَّ مَنْ كَانَتْ لِأَبَوَيْنِ، ثُمَّ مِنْ كَانَتْ لِأَبٍ، ثُمَّ مَنْ كَانَتْ لِأُمٍّ، وَهَذَا صَحِيحٌ مُوَافِقٌ لِلْأُصُولِ وَالْقِيَاسِ، لَكِنْ إِذَا ضُمَّ هَذَا إِلَى قَوْلِهِمْ بِتَقْدِيمِ قَرَابَةِ الْأُمِّ عَلَى قَرَابَةِ الْأَبِ جَاءَ التَّنَاقُضُ، وَتِلْكَ الْفُرُوعُ الْمُشْكِلَةُ الْمُتَنَاقِضَةُ.

وَأَيْضًا فَقَدْ قَالُوا بِتَقْدِيمِ أُمَّهَاتِ الْأَبِ وَالْجَدِّ عَلَى الْخَالَاتِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأُمِّ، وَهُوَ الصَّوَابُ الْمُوَافِقُ لِأُصُولِ الشَّرْعِ، لَكِنَّهُ مُنَاقِضٌ لِتَقْدِيمِهِمْ أُمَّهَاتِ الْأُمِّ عَلَى أُمَّهَاتِ الْأَبِ، وَيُنَاقِضُ تَقْدِيمَ الْخَالَةِ وَالْأُخْتِ لِلْأُمِّ عَلَى الْأَبِ، كَمَا هُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أحمد رَحِمَهُ اللَّهُ، وَالْقَوْلُ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْقَوْلَ بِهِ أَطْرَدُ لِلْأَصْلِ، لَكِنَّهُ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ مِنْ قِيَاسِ الْأُصُولِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَلْزَمُهُمْ مِنْ طَرْدِهِ أَيْضًا تَقْدِيمُ مَنْ كَانَ مِنَ الْأَخَوَاتِ لِأُمٍّ عَلَى مَنْ كَانَ مِنْهُنَّ لِأَبٍ، وَقَدِ الْتَزَمَهُ أبو حنيفة، والمزني، وابن سريج، وَيَلْزَمُهُمْ مِنْ طَرْدِهِ أَيْضًا تَقْدِيمُ بِنْتِ الْخَالَةِ عَلَى الْأُخْتِ لِلْأَبِ، وَقَدِ الْتَزَمَهُ زفر، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أبي حنيفة، وَلَكِنْ أبو يوسف اسْتَشْنَعَ ذَلِكَ، فَقَدَّمَ الْأُخْتَ لِلْأَبِ كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَرَوَاهُ عَنْ أبي حنيفة.

وَيَلْزَمُهُمْ أَيْضًا مِنْ طَرْدِهِ تَقْدِيمُ الْخَالَةِ وَالْأُخْتِ لِلْأُمِّ عَلَى الْجَدَّةِ أُمِّ الْأَبِ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ وَالْوَهَنِ، وَقَدِ الْتَزَمَهُ زفر، وَمِثْلُ هَذَا مِنَ الْمَقَايِيسِ الَّتِي حَذَّرَ مِنْهَا أبو حنيفة أَصْحَابَهُ، وَقَالَ: لَا تَأْخُذُوا بِمَقَايِيسِ زفر، فَإِنَّكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ بِمَقَايِيسِ زفر حَرَّمْتُمُ الْحَلَالَ، وَحَلَّلْتُمُ الْحَرَامَ.

[فَصْلٌ ضابط آخر في الحضانة لبعض أصحاب أحمد وبيان تناقضه]

وَقَدْ رَامَ بَعْضُ أَصْحَابِ أحمد ضَبْطَ هَذَا الْبَابَ بِضَابِطٍ زَعَمَ أَنَّهُ يَتَخَلَّصُ بِهِ مِنَ التَّنَاقُضِ، فَقَالَ: الِاعْتِبَارُ فِي الْحَضَانَةِ بِالْوِلَادَةِ الْمُتَحَقِّقَةِ، وَهِيَ الْأُمُومَةُ، ثُمَّ الْوِلَادَةُ الظَّاهِرَةُ وَهِيَ الْأُبُوَّةُ، ثُمَّ الْمِيرَاثُ. قَالَ وَلِذَلِكَ تُقَدَّمُ الْأُخْتُ مِنَ الْأَبِ عَلَى الْأُخْتِ مِنَ الْأُمِّ، وَعَلَى الْخَالَةِ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى إِرْثًا مِنْهُمَا. قَالَ: ثُمَّ الْإِدْلَاءُ، فَتُقَدَّمُ الْخَالَةُ عَلَى الْعَمَّةِ؛ لِأَنَّ الْخَالَةَ تُدْلِي بِالْأُمِّ، وَالْعَمَّةَ تُدْلِي بِالْأَبِ، فَذَكَرَ أَرْبَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>