الْعِظَامِ، «فَإِنَّ أبي بن خلف أَخَذَ عَظْمًا بَالِيًا، ثُمَّ جَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَفَتَّهُ فِي يَدِهِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! أَتَرَى اللَّهَ يُحْيِي هَذَا بَعْدَمَا رُمَّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (نَعَمْ، وَيَبْعَثُكَ، وَيُدْخِلُكَ النَّارَ) » .
فَمَأْخَذُ الطَّهَارَةِ أَنَّ سَبَبَ تَنْجِيسِ الْمَيْتَةِ مُنْتَفٍ فِي الْعِظَامِ، فَلَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَتِهَا، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهَا عَلَى اللَّحْمِ؛ لِأَنَّ احْتِقَانَ الرُّطُوبَاتِ وَالْفَضَلَاتِ الْخَبِيثَةِ يَخْتَصُّ بِهِ دُونَ الْعِظَامِ، كَمَا أَنَّ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً لَا يَنْجَسُ بِالْمَوْتِ، وَهُوَ حَيَوَانٌ كَامِلٌ، لِعَدَمِ سَبَبِ التَّنْجِيسِ فِيهِ. فَالْعَظْمُ أَوْلَى، وَهَذَا الْمَأْخَذُ أَصَحُّ وَأَقْوَى مِنَ الْأَوَّلِ، وَعَلَى هَذَا، فَيَجُوزُ بَيْعُ عِظَامِ الْمَيْتَةِ إِذَا كَانَتْ مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرِ الْعَيْنِ.
وَأَمَّا مَنْ رَأَى نَجَاسَتَهَا، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا، إِذْ نَجَاسَتُهَا عَيْنِيَّةٌ، قَالَ ابن القاسم: قَالَ مالك: لَا أَرَى أَنْ تُشْتَرَى عِظَامُ الْمَيْتَةِ وَلَا تُبَاعَ، وَلَا أَنْيَابُ الْفِيلِ، وَلَا يُتَّجَرُ فِيهَا، وَلَا يُمْتَشَطُ بِأَمْشَاطِهَا، وَلَا يُدَّهَنُ بِمَدَاهِنِهَا، وَكَيْفَ يُجْعَلُ الدُّهْنُ فِي الْمَيْتَةِ وَيُمَشِّطُ لِحْيَتَهُ بِعِظَامِ الْمَيْتَةِ، وَهِيَ مَبْلُولَةٌ، وَكَرِهَ أَنْ يُطْبَخَ بِعِظَامِ الْمَيْتَةِ، وَأَجَازَ مطرف، وَابْنُ الْمَاجِشُونِ بَيْعَ أَنْيَابِ الْفِيلِ مُطْلَقًا، وَأَجَازَهُ ابن وهب، وأصبغ إِنْ غُلِيَتْ وَسُلِقَتْ، وَجَعَلَا ذَلِكَ دِبَاغًا لَهَا.
[فصل تَحْرِيمُ بَيْعِ الْخِنْزِيرِ]
فَصْلٌ
وَأَمَّا تَحْرِيمُ بَيْعِ الْخِنْزِيرِ، فَيَتَنَاوَلُ جُمْلَتَهُ، وَجَمِيعَ أَجْزَائِهِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، وَتَأَمَّلْ كَيْفَ ذُكِرَ لَحْمُهُ عِنْدَ تَحْرِيمِ الْأَكْلِ إِشَارَةً إِلَى تَحْرِيمِ أَكْلِهِ وَمُعْظَمُهُ اللَّحْمُ، فَذَكَرَ اللَّحْمَ تَنْبِيهًا عَلَى تَحْرِيمِ أَكْلِهِ دُونَ مَا قَبْلَهُ، بِخِلَافِ الصَّيْدِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِيهِ: وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ لَحْمَ الصَّيْدِ، بَلْ حَرَّمَ نَفْسَ الصَّيْدِ؛ لِيَتَنَاوَلَ ذَلِكَ أَكْلَهُ وَقَتْلَهُ. وَهَاهُنَا لَمَّا حَرَّمَ الْبَيْعَ ذَكَرَ جُمْلَتَهُ، وَلَمْ يَخُصَّ التَّحْرِيمَ بِلَحْمِهِ لِيَتَنَاوَلَ بَيْعَهُ حَيًّا وَمَيِّتًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute