للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سودة» ) فَلَمْ تَرَهُ سودة قَطُّ.

فَهَذَا الْحُكْمُ النَّبَوِيُّ أَصْلٌ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ بِالْفِرَاشِ، وَفِي أَنَّ الْأَمَةَ تَكُونُ فِرَاشًا بِالْوَطْءِ، وَفِي أَنَّ الشَّبَهَ إِذَا عَارَضَ الْفِرَاشَ قُدِّمَ عَلَيْهِ الْفِرَاشُ، وَفِي أَنَّ أَحْكَامَ النَّسَبِ تَتَبَعَّضُ فَتَثْبُتُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيهِ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: حُكْمًا بَيْنَ حُكْمَيْنِ، وَفِي أَنَّ الْقَافَةَ حَقٌّ وَأَنَّهَا مِنَ الشَّرْعِ.

[جِهَاتُ ثُبُوتِ النَّسَبِ]

[الفراش]

فَأَمَّا ثُبُوتُ النَّسَبِ بِالْفِرَاشِ فَأَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ.

وَجِهَاتُ ثُبُوتِ النَّسَبِ أَرْبَعَةٌ: الْفِرَاشُ، وَالِاسْتِلْحَاقُ، وَالْبَيِّنَةُ، وَالْقَافَةُ، فَالثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، وَاتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ يَثْبُتُ بِهِ الْفِرَاشُ، وَاخْتَلَفُوا فِي التَّسَرِّي فَجَعَلَهُ جُمْهُورُ الْأُمَّةِ مُوجِبًا لِلْفِرَاشِ، وَاحْتَجُّوا بِصَرِيحِ حَدِيثِ عائشة الصَّحِيحِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْوَلَدِ لزمعة، وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ صَاحِبُ الْفِرَاشِ، وَجَعَلَ ذَلِكَ عِلَّةً لِلْحُكْمِ بِالْوَلَدِ لَهُ، فَسَبَبُ الْحُكْمِ وَمَحَلُّهُ إِنَّمَا كَانَ فِي الْأَمَةِ، فَلَا يَجُوزُ إِخْلَاءُ الْحَدِيثِ مِنْهُ وَحَمْلُهُ عَلَى الْحُرَّةِ الَّتِي لَمْ تُذْكَرِ الْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا كَانَ الْحُكْمُ فِي غَيْرِهَا، فَإِنَّ هَذَا يَسْتَلْزِمُ إِلْغَاءَ مَا اعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ وَعَلَّقَ الْحُكْمَ بِهِ صَرِيحًا، وَتَعْطِيلَ مَحَلِّ الْحُكْمِ الَّذِي كَانَ لِأَجْلِهِ وَفِيهِ.

ثُمَّ لَوْ لَمْ يَرِدِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِيهِ لَكَانَ هُوَ مُقْتَضَى الْمِيزَانِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ، وَهُوَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ، فَإِنَّ السُّرِّيَّةَ فِرَاشٌ حِسًّا وَحَقِيقَةً وَحُكْمًا، كَمَا أَنَّ الْحُرَّةَ كَذَلِكَ، وَهِيَ تُرَادُ لِمَا تُرَادُ لَهُ الزَّوْجَةُ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ وَالِاسْتِيلَادِ، وَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا يَرْغَبُونَ فِي السَّرَارِيِّ لِاسْتِيلَادِهِنَّ وَاسْتِفْرَاشِهِنَّ، وَالزَّوْجَةُ إِنَّمَا سُمِّيَتْ فِرَاشًا لِمَعْنًى هِيَ وَالسُّرِّيَّةُ فِيهِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>