وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ، هَلْ عَلَيْهِمَا سَعْيَانِ أَوْ سَعْيٌ وَاحِدٌ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فِي مَذْهَبِ أحمد وَغَيْرِهِ.
أَحَدُهَا: لَيْسَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَّا سَعْيٌ وَاحِدٌ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أحمد فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عبد الله. قَالَ عبد الله: قُلْتُ لِأَبِي: الْمُتَمَتِّعُ كَمْ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟ قَالَ: إِنْ طَافَ طَوَافَيْنِ، فَهُوَ أَجْوَدُ. وَإِنْ طَافَ طَوَافًا وَاحِدًا، فَلَا بَأْسَ. قَالَ شَيْخُنَا: وَهَذَا مَنْقُولٌ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ.
الثَّانِي: الْمُتَمَتِّعُ عَلَيْهِ سَعْيَانِ، وَالْقَارِنُ عَلَيْهِ سَعْيٌ وَاحِدٌ، وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي فِي مَذْهَبِهِ، وَقَوْلُ مَنْ يَقُولُهُ مِنْ أَصْحَابِ مالك وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
وَالثَّالِثُ: إِنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَعْيَيْنِ، كَمَذْهَبِ أبي حنيفة رَحِمَهُ اللَّهُ، وَيَذْكُرُ قَوْلًا فِي مَذْهَبِ أحمد رَحِمَهُ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالَّذِي تَقَدَّمَ، هُوَ بَسْطُ قَوْلِ شَيْخِنَا وَشَرْحُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[عُذْرُ مَنْ قَالَ حَجَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُفْرِدًا اعْتَمَرَ عَقِيبَهُ مِنَ التَّنْعِيمِ]
فَصْلٌ
وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّهُ حَجَّ حَجًّا مُفْرَدًا اعْتَمَرَ عَقِيبَهُ مِنَ التَّنْعِيمِ، فَلَا يُعْلَمُ لَهُمْ عُذْرٌ الْبَتَّةَ إِلَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُمْ سَمِعُوا أَنَّهُ أَفْرَدَ الْحَجَّ، وَأَنَّ عَادَةَ الْمُفْرِدِينَ أَنْ يَعْتَمِرُوا مِنَ التَّنْعِيمِ، فَتَوَهَّمُوا أَنَّهُ فَعَلَ كَذَلِكَ.
[فصل فيمن غلط في إهلاله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]
وَأَمَّا الَّذِينَ غَلِطُوا فِي إِهْلَالِهِ، فَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ لَبَّى بِالْعُمْرَةِ وَحْدَهَا وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهَا، فَعُذْرُهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَمَتَّعَ، وَالْمُتَمَتِّعُ عِنْدَهُ مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute