قَوْلُهُمْ: إِمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ، أَوْ عَلَيْهِمَا إِلَى آخِرِهِ قُلْنَا: مِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْرَى عَنْ دَلَالَةٍ تُبَيِّنُ الْمُرَادَ مِنْهُ كَمَا فِي الْأَسْمَاءِ الْمُجْمَلَةِ، وَإِنْ خَفِيَتِ الدِّلَالَةُ عَلَى بَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ، فَلَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ خَفِيَّةً عَنْ مَجْمُوعِ الْأُمَّةِ، وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَنِ الْوَجْهِ الثَّالِثِ، فَالْكَلَامُ، إِذَا لَمْ يَكُنْ مُطْلَقُهُ يَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى الْمُرَادِ، فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْمُرَادِ.
[الْوَجْهُ الثَّانِي الدَّالُّ عَلَى أَوْلَوِيَّةِ حَمْلِ الْقُرْءِ فِي الْآيَةِ عَلَى الْحَيْضِ]
وَإِذَا تَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُرْءِ فِي الْآيَةِ أَحَدُهُمَا لَا كِلَاهُمَا، فَإِرَادَةُ الْحَيْضِ أَوْلَى لِوُجُوهٍ. مِنْهَا: مَا تَقَدَّمَ. الثَّانِي: أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْقُرْءِ فِي الْحَيْضِ أَظْهَرُ مِنْهُ فِي الطُّهْرِ، فَإِنَّهُمْ يَذْكُرُونَهُ تَفْسِيرًا لِلَفْظِهِ، ثُمَّ يُرْدِفُونَهُ بِقَوْلِهِمْ: وَقِيلَ، أَوْ قَالَ فُلَانٌ، أَوْ يُقَالُ: عَلَى الطُّهْرِ، أَوْ وَهُوَ أَيْضًا الطُّهْرُ، فَيَجْعَلُونَ تَفْسِيرَهُ بِالْحَيْضِ كَالْمُسْتَقِرِّ الْمَعْلُومِ الْمُسْتَفِيضِ، وَتَفْسِيرُهُ بِالطُّهْرِ قَوْلٌ قِيلَ. وَهَاكَ حِكَايَةَ أَلْفَاظِهِمْ.
قَالَ الجوهري: الْقَرْءُ بِالْفَتْحِ: الْحَيْضُ، وَالْجَمْعُ أَقْرَاءٌ وَقُرُوءٌ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا صَلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِكِ» .
وَالْقَرْءُ أَيْضًا: الطُّهْرُ، وَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ.
وَقَالَ أبو عبيد: الْأَقْرَاءُ: الْحِيَضُ، ثُمَّ قَالَ: الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ: أَقْرَأَتِ الْمَرْأَةُ: إِذَا حَاضَتْ.
وَقَالَ ابن فارس: الْقُرُوءُ: أَوْقَاتٌ، يَكُونُ لِلطُّهْرِ مَرَّةً، وَلِلْحَيْضِ مَرَّةً، وَالْوَاحِدُ قَرْءٌ وَيُقَالُ: الْقُرْءُ: وَهُوَ الطُّهْرُ، ثُمَّ قَالَ: وَقَوْمٌ يَذْهَبُونَ إِلَى أَنَّ الْقُرْءَ الْحَيْضُ، فَحَكَى قَوْلَ مَنْ جَعَلَهُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ أَوْقَاتِ الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ، وَقَوْلَ مَنْ جَعَلَهُ لِأَوْقَاتِ الطُّهْرِ، وَقَوْلَ مَنْ جَعَلَهُ لِأَوْقَاتِ الْحَيْضِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَخْتَرْ وَاحِدًا مِنْهُمَا، بَلْ جَعَلَهُ لِأَوْقَاتِهِمَا. قَالَ، وَأَقْرَأَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا خَرَجَتْ مِنْ حَيْضٍ إِلَى طُهْرٍ، وَمِنْ طُهْرٍ إِلَى حَيْضٍ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُسَمَّى الْحَيْضِ فِي حَقِيقَتِهِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ مَنْ قَالَ: أَوْقَاتُ الطُّهْرِ تُسَمَّى قُرُوءًا، فَإِنَّمَا يُرِيدُ أَوْقَاتَ الطُّهْرِ الَّتِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute