للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجِهَادِ وَالْمَغَازِي وَالسَّرَايَا وَالْبُعُوثِ] [الْجِهَادُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ]

فَصْلٌ

فِي هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجِهَادِ وَالْمَغَازِي وَالسَّرَايَا وَالْبُعُوثِ

لَمَّا كَانَ الْجِهَادُ ذِرْوَةَ سَنَامِ الْإِسْلَامِ وَقُبَّتَهُ، وَمَنَازِلُ أَهْلِهِ أَعْلَى الْمَنَازِلِ فِي الْجَنَّةِ، كَمَا لَهُمُ الرِّفْعَةُ فِي الدُّنْيَا، فَهُمُ الْأَعْلَوْنَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الذِّرْوَةِ الْعُلْيَا مِنْهُ، وَاسْتَوْلَى عَلَى أَنْوَاعِهِ كُلِّهَا فَجَاهَدَ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ بِالْقَلْبِ وَالْجِنَانِ وَالدَّعْوَةِ وَالْبَيَانِ وَالسَّيْفِ وَالسِّنَانِ، وَكَانَتْ سَاعَاتُهُ مَوْقُوفَةً عَلَى الْجِهَادِ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَيَدِهِ. وَلِهَذَا كَانَ أَرْفَعَ الْعَالَمِينَ ذِكْرًا، وَأَعْظَمَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ قَدْرًا.

وَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْجِهَادِ مِنْ حِينِ بَعْثِهِ، وَقَالَ: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان: ٥١] [الْفُرْقَانِ: ٥٢] ، فَهَذِهِ سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ أَمَرَ فِيهَا بِجِهَادِ الْكُفَّارِ بِالْحُجَّةِ وَالْبَيَانِ وَتَبْلِيغِ الْقُرْآنِ، وَكَذَلِكَ جِهَادُ الْمُنَافِقِينَ إِنَّمَا هُوَ بِتَبْلِيغِ الْحُجَّةِ، وَإِلَّا فَهُمْ تَحْتَ قَهْرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، قَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التوبة: ٧٣] [التَّوْبَةِ: ٧٣] فَجِهَادُ الْمُنَافِقِينَ أَصْعَبُ مِنْ جِهَادِ الْكُفَّارِ، وَهُوَ جِهَادُ خَوَاصِّ الْأُمَّةِ وَوَرَثَةِ الرُّسُلِ، وَالْقَائِمُونَ بِهِ أَفْرَادٌ فِي الْعَالَمِ، وَالْمُشَارِكُونَ فِيهِ وَالْمُعَاوِنُونَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانُوا هُمُ الْأَقَلِّينَ عَدَدًا فَهُمُ الْأَعْظَمُونَ عِنْدَ اللَّهِ قَدْرًا.

وَلَمَّا كَانَ مِنْ أَفْضَلِ الْجِهَادِ قَوْلُ الْحَقِّ مَعَ شِدِّةِ الْمُعَارِضِ، مِثْلَ أَنْ تَتَكَلَّمَ بِهِ عِنْدَ مَنْ تَخَافُ سَطْوَتَهُ وَأَذَاهُ، كَانَ لِلرُّسُلِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَسَلَامُهُ - مِنْ ذَلِكَ الْحَظُّ الْأَوْفَرُ، وَكَانَ لِنَبِيِّنَا - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - مِنْ ذَلِكَ أَكْمَلُ الْجِهَادِ وَأَتَمُّهُ.

وَلَمَّا كَانَ جِهَادُ أَعْدَاءِ اللَّهِ فِي الْخَارِجِ فَرْعًا عَلَى جِهَادِ الْعَبْدِ نَفْسَهُ فِي ذَاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>