للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْأَثَرُ الرَّابِعُ: فَفِيهِ عمر بن معتب، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ.

وَالَّذِي سَلِمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآثَارُ عَنِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَالْقِيَاسُ.

أَمَّا الْآثَارُ، فَهِيَ مُتَعَارِضَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ، فَلَيْسَ بَعْضُهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ، بَقِيَ الْقِيَاسُ، وَتَجَاذَبَهُ طَرَفَانِ: طَرَفُ الْمُطَلِّقِ، وَطَرَفُ الْمُطَلَّقَةِ. فَمَنْ رَاعَى طَرَفَ الْمُطَلِّقِ، قَالَ: هُوَ الَّذِي يَمْلِكُ الطَّلَاقَ، وَهُوَ بِيَدِهِ، فَيَتَنَصَّفُ بِرِقِّهِ كَمَا يَتَنَصَّفُ نِصَابُ الْمَنْكُوحَاتِ بِرِقِّهِ، وَمَنْ رَاعَى طَرَفَ الْمُطَلَّقَةِ، قَالَ: الطَّلَاقُ يَقَعُ عَلَيْهَا، وَتَلْزَمُهَا الْعِدَّةُ وَالتَّحْرِيمُ وَتَوَابِعُهَا، فَتَنَصَّفَ بِرِقِّهَا كَالْعِدَّةِ، وَمَنْ نَصَّفَ بِرِقِّهَا كَالْعِدَّةِ، وَمَنْ نَصَّفَ بِرِقِّ أَيِّ الزَّوْجَيْنِ كَانَ رَاعَى الْأَمْرَيْنِ، وَأَعْمَلَ الشَّبَهَيْنِ، وَمَنْ كَمَّلَهُ وَجَعَلَهُ ثَلَاثًا رَأَى أَنَّ الْآثَارَ لَمْ تَثْبُتْ، وَالْمَنْقُولُ عَنِ الصَّحَابَةِ مُتَعَارِضٌ، وَالْقِيَاسُ كَذَلِكَ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَتَمَسَّكَ بِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ طَلْقَتَانِ، وَلَمْ يُفَرِّقِ اللَّهُ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ، وَلَا بَيْنَ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: ٦٤]

قَالُوا: وَالْحِكْمَةُ الَّتِي لِأَجْلِهَا جُعِلَ الطَّلَاقُ الرُّجْعِيُّ اثْنَتَيْنِ فِي الْحُرِّ وَالْعَبْدِ سَوَاءٌ، قَالُوا: وَقَدْ قَالَ مالك: إِنَّ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ أَرْبَعًا كَالْحُرِّ، لِأَنَّ حَاجَتَهُ إِلَى ذَلِكَ كَحَاجَةِ الْحُرِّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وأحمد: أَجَلُهُ فِي الْإِيلَاءِ كَأَجَلِ الْحُرِّ، لِأَنَّ ضَرَرَ الزَّوْجَةِ فِي الصُّورَتَيْنِ سَوَاءٌ.

وَقَالَ أبو حنيفة: إِنَّ طَلَاقَهُ وَطَلَاقَ الْحُرِّ سَوَاءٌ إِذَا كَانَتِ امْرَأَتَاهُمَا حُرَّتَيْنِ إِعْمَالًا لِإِطْلَاقِ نُصُوصِ الطَّلَاقِ، وَعُمُومِهَا لِلْحُرِّ وَالْعَبْدِ.

وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالنَّاسُ مَعَهُ: صِيَامُهُ فِي الْكَفَّارَاتِ كُلِّهَا، وَصِيَامُ الْحُرِّ سَوَاءٌ، وَحَدُّهُ فِي السَّرِقَةِ وَالشَّرَابِ، وَحَدُّ الْحُرِّ سَوَاءٌ. قَالُوا: وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْآثَارُ أَوْ بَعْضُهَا ثَابِتًا، لَمَا سَبَقْتُمُونَا إِلَيْهِ، وَلَا غَلَبْتُمُونَا عَلَيْهِ، وَلَوِ اتَّفَقَتْ آثَارُ الصَّحَابَةِ لَمْ نَعْدُهَا إِلَى غَيْرِهَا، فَإِنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمْ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

[حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ بِيَدِ الزَّوْجِ لَا بِيَدِ غَيْرِهِ]

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} [الأحزاب: ٤٩]

<<  <  ج: ص:  >  >>